للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

وهناك عنصر لم نجد في نقولات التبريزي منه سوى موضع واحد، وهو عنصر الأخبار التاريخية ومناسبات الشعر، ويبدو أن التبريزي اكتفى فيه بما كان ينقله عن أبي رياش باعتبار أن أبا رياش كما وضحنا من قبل كان أو في الشراح بهذا العنصر، وبجانب هذا هناك عنصران لا وجود لهما في هذه النقولات هما عنصرا البلاغة والنقد، ولا ندري إن كان له عمل فيهما ولم يفد منه التبريزي أو أنه لم يعالجهما أصلًا في شرحه.

ومهما يكن من الأمر فإن هذا الشرح "الرياشي المصطنعي" الذي صنعه أبو العلاء لخدمة اختيار الحماسة قد بدا لنا من خلال نقولات التبريزي عنه غير واضح المنهج، يصعب إدراجه تحت واحد من المناهج الخمسة التي حددناها لشراح الحماسة فهو أشبه في بعض عمله اللغوي وبخاصة في شرح الأسماء والأعلام بابن جني ولكنه يختلف عنه في أمور، أهمها أن ابن جني في عمله اللغوي كان يجنح كثيرًا إلى التصريف، ولم يكن أبو العلاء كذلك، وثانيها أن ابن جني كان في عمله اللغوي والنحوي ينظر إلى الأبيات التي تثير قضية لغوية أو نحوية ولا يهتم بالمعنى إلا من خلال ارتباطه بالإعراب في حين أن أبا العلاء قد ركز جهدًا على المعاني وتأويلاتها وإن لم تكن له صلة بالإعراب بل إنه كان يلجأ إلى الإعراب ليوضح به المعنى وليس العكس، وثالثها أن ابن جني كان يعمد كثيرًا إلى إثارة الخلاف بين أبي الحسن الأخفش وجمهرة النحاة وبخاصة سيبويه، وينظر إلى ما تعطيه أبيات الحماسة من دعم لأحد الفريقين، ولم يكن هذا من شأن أبي العلاء ولا قصد إليه في عمله اللغوي النحوي، ورابعها أن عمل ابن جني في "التنبيه" كان علميًا بحتًا. أما أبو العلاء فإنه بجانب جنوحه إلى اللغة فإن عمله لم يخل من أدب، يبدو ذلك حتى في عمله اللغوي حيث كان ينظر إلى كلام العرب فينقل من أدبها الشيء الكثير ليدلل به على صحة المعنى اللغوي للألفاظ أو التراكيب وأحيانًا لمعاني النصوص ومرامي الشعراء.

وأخيرًا إن أبا العلاء لم يضع شرحه للطبقة المتخصصة العليا من أهل العلم

<<  <   >  >>