إسهابا وتوسعا، وهو إسهاب وتوسع- وان جاء في قلة لا تخرجهم عن حد المنهج إلي ساروا فيه- فإنه دل على أن هذه الظاهرة قد كان لها أثرها في أعمالهم، وهو أمر كنا قد اشرنا إليه في دراستنا لهم في شرح كل من البياري وصاحب الشرح المنسوب خطأ إلى أبي العلاء، كما نوهنا له في دراستنا لشرح زيد بن علي في كتابنا الثاني من هذا البحث.
ويمكن القول بأنه لم يسلم أحد من أصحاب هذا المنهج من هذه الظاهرة سوى الأعلم الشنتمري الذي شرح حماسة من صنعه تعد بعيدة عن حماسة أبي تمام وإن اشتملت على جملة من نصوصها.
على أننا إذا بحثنا عن علة غلبة هذه الظاهرة على شروح شراح الحماسة وجدنا أنها ترجع إلى التأثر بأعمال الشراح الذين تخصصوا في شرح الشعر الجاهلي، فقد ذكر الدكتور أحمد جمال العمري أن شراح الشعر الجاهلي الذين ظهروا في القرن الرابع - وهو القرن الذي صدر فيه جل شروح الحماسة - قد أدركوا أن القصد من شرح الشعر هو التعليم والتثقيف إلى جانب الإمتاع. ومن ثم رأوا (أن من الواجب عليهم أن يوسعوا دائرة نشاطهم، ويحللوا، ويدققوا، ويسهبوا في شروحهم، ويستطردوا لتشمل كل ما يتصل بالنص من قريب أو بعيد، روايات وتفسيرات لغوية، وتوضيحات نحوية، وتحليلات نقدية، ونظرات بلاغية، وأخبار وأنساب وأحداث، وبذلك وضعوا أمام قارئ شروحهم وطالب عملهم مائدة ضخمة أدسم المواد العلمية التي هي حصيلة الجمع والجهد).
وإذا كان هذا هو شأن الشعر الجاهلي في القرن الرابع وفهمهم لعملية شرح الشعر فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على شراح الحماسة من حيث إننا سبق أن أوضحنا عند حديثنا عن حركة تطور شرح الشعر عامة أن شراح الحماسة لم يكونوا بمعزل عن هذه الحركة بل إن جماعة منهم قد أسهمت- بجانب عملها في الحماسة - في شرح الشعر القديم الجاهلي والإسلامي في اختيارات غير الحماسة ودواوين الشعراء.