للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أولى العتبات التي يصعدها القارئ الدارس للوصول إلى فهم النص، ولهذا استعان يهما الشراح في تحليل النص، قصدا إلى إبراز معانيه، غير أن هذه الاستعانة ينبغي ألا تكون هي الغالبة المستأثرة بجهد الشارح وكد ذهنه في عملية الشرح، هذه بديهة من البديهيات لا تحتاج إلى وقوف وإبانة، ولكننا ونحن نقرأ شروح الحماسة التي قام عليها بحثنا لاحظنا أن غلبة أصحابها كثيرا ما يجنحون إلى التفسير اللغوي والنحوي في معالجة النص، الأمر الذي يجعلهم يغضون النظر عن العناصر الأخرى وهي عناصر لها قيمتها في تحليل النص وتبيان معانيه، ومن ثم صار هذا الجنوح المطرد ظاهرة عامة انتظمت غلبة الشراح في أعمالهم التي قرأناها لهم.

ونحن هنا لا نعنى أصحاب المنهج العلمي التخصصي، لأن هؤلاء قد بنوا منهجهم في المقام الأول على معالجة القضايا اللغوية والنحوية التي تثيرها أبيات الحماسة، وإذا كان هذا هو حالهم فمن الطبيعي أن نجد اللغة والنحو يطغيان على أعمالهم ويملكان الغلبة الغالبة من جهودهم.

وكذلك لا نعنى أصحاب المنهج التتبعي التقويمي لأن أصحاب هذا المنهج يقوم عملهم - كما وضحنا من قبل - على تتبع أعمال السابقين وتقويم ما فيها من أخطاء وأوهام، فهم في أعمالهم يسيرون وفق ما يتتبعونه ويصلحونه لغة كان أو نحوًا أو روايةً أو معنىً، أو خبرًا، إلى غير ذلك من الجوانب التي تكون مثار التتبع والتقويم.

إن الشراح الذين نعنيهم بهذه الظاهرة هم أصحاب المناهج الثلاثة الأخرى: المنهج الإبداعي الفني، والمنهج التجميعي الانتخابي، والمنهج الاختصاري التسهيلي، فأصحاب هذه المناهج تقوم أعمالهم على صفات ومقومات لا تقتضي وجود هذه الظاهرة، لأننا لو رجعنا إلى ما قلناه في شرح هذه المناهج لوجدنا أن من أهم صفات المنهج الإبداعي الفني أنه يقوم على دعامات فنية ومقومات أدبية تتآزر وتأتلف لتخدم النص الشعري. وأن الشارح في هذا يوظف معارفه العلمية وقدراته الأدبية في فنية وابتكار توظيفا محكما تكون حصيلته النهائية إبراز المعنى

<<  <   >  >>