للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

فأصاب حبة قلبها وطحالها

والطحال كما يرى خلف "ما دخل في شيء إلا أفسده".

وهكذا نرى أن هؤلاء الرواة العلماء الأوائل قد حققوا في عنايتهم بجمع الشعر وروايته وتدوينه عناصر مختلفة تتصل بشرح الشعر ونقده، فكان ما حققوه مرتكزًا صلبًا اعتمد عليه تلاميذهم وتلاميذ تلاميذهم في المضي بشرح الشعر إلى ميدان أرحب ومجال أوسع مما كان عليه في زمن هؤلاء الأوائل.

والحق أن الطبقة الثانية من العلماء من أمثال أبي عبيدة معمر بن المثنى، وعبد الملك الأصمعي، وأبي زيد الأنصاري، وابن الأعرابي، وأبي عمرو الشيباني، وكذلك الطبقة الثالثة من أمثال الرياشي ومحمد بن وأبي حاتم السجستاني وابن السكيت والمازني، قد استطاعت أن تخطو بشرح الشعر خطوات بعيدة شملت مختلف عناصره من رواية ولغة ونحو ونقد، ويمكن أن نحدد عملهم في شرح الشعر في الجوانب التالية: أولها: أن الدارس يلاحظ اعتمادهم على أعمال شيوخهم، ينقلون آراءهم في الشعر وروايته وتفسيره، فأهل الطبقة الثانية ينقلون ما أخذوه عن أساتذتهم من رجال الطبقة الأولى الوراد، وأهل الطبقة الثالثة ينقلون أعمال شيوخهم من الطبقة الثانية ويزيدون عليه ما أخذه هؤلاء الشيوخ عن الطبقة الأولى، غير أن كلا من رجال الطبقتين الثانية والثالثة كانوا لا يقفون عند حد النقل فقط، بل كانوا يدلون برأيهم في أقوال شيوخهم ويسدون ما فاتهم من نقص، سواء كان ذلك في رواية الشعر أو تفسيره أو نقده، والأمثلة على ذلك كثيرة. ففي مجال الرواية نجد على سبيل المثال أن أبا عمرو بن العلاء كان يروي من قصيدة زهير التي مطلعها "صحا القلب عن سلمى وأقصر باطله" سبعة وثلاثين بيتًا، فجاء كل من الأصمعي وأبي عبيدة فأضافا إلى روايته سبعة أبيات، والأصمعي أخذ من شيوخه في الرواية أبيات امرئ القيس الأربعة التي يقول في أولها:

<<  <   >  >>