للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أصل وآصل كما تقول: حبل وأحبل، ولكنه مع ذلك كان يخالفه في تفسير الشعر حين يرى أنه قد جانب الصواب. ففي بيت أوس بن حجر:

لعمرك ما ضيعتها غير أنها أتتني فواري عرية فالمجلل

كان أبو عمرو بن العلاء قد قال في تفسير عرية بعيدة يقول: جاءت من بعد والمجلل اسم رجل، فجاء الأصمعي وخالفه فقال: عريها ما عري منها لسنة، والمجلل ما ألبس جلًا".

وكما اعتمد علماء الطبقة الثانية على شيوخهم من علماء الطبقة الأولى وأفادوا من علمهم في الرواية وتفسر الشعر، اعتمد علماء الطبقة الثالثة على أساتذتهم من علماء الطبقة الثانية، فابن السكيت وأبو حاتم السجستاني والرياشي كثيرًا ما كانوا يعتمدون على الأصمعي في تفسير اللغة والشعر والرواية، ولكنهم كانوا مثل أساتذتهم يضيفون ويناقشون ويخالفون ما أخذوه عن سابقيهم.

وثاني هذه الجوانب أنه إذا كان علماء الطبقة الثانية ومن بعدهم تلاميذهم قد حققوا في شرح الشعر خطوات واسعة، فإنهم أيضًا قد اتصفوا في هذا الشأن بشيء من التخصص، وذلك لأن كل واحد منهم كانت له اهتمامات خاصة في ناحية من نواحي علم الشعر، فمنهم من كان يميل إلى الغريب ويقصر عليه جل اهتمامه، وذلك مثل الأصمعي، ومنهم من كان يهتم بقضايا النحو ومشكلاته مثل الأخفش، أو من كان يستغرق جهده في الأخبار والأيام والأنساب مثل أبي عبيدة معمر بن المثنى، ولم يكن فيهم من كان يعالج النص معالجة أدبية أو يشرحه شرحًا أدبيًا لأنهم كانوا يجعلون من النص مجالًا لخدمة العلوم المختلفة من لغة ونحو وأخبار وأيا وأنساب، وهذا ما عناه بجلاء أبو عثمان الجاحط المتوفى سنة ٢٥٦ هـ حين قال: "طلبت علم الشعر عند الأصمعي فوجدته لا يحسن إلا غريبة، فرجعت إلى الأخفش فوجدته لا يحسن إلا إعرابه فعطفت على أبي عبيدة فوجدته لا ينقل إلا ما

<<  <   >  >>