أبي أحمد العسكري، وهو أديب كاتب، في شرحه لبتي نابغة بني ذبيان في قصيدته المسماة بالمتجردة وهما:
تجلو بقادمتي حمامة أيكة بردًا أسف لثاته بالإثمد
كالأقحوان غداة غب سمائه جفت أعاليه وأسفله ند
فقد قال: أراد تجلو بشفتيها إذا تكلمت أو ضحكت، وشبه شفتيها بقادمتي حمامة لرقتها و"أسف لثاته بالاثمد" كانوا يجعلون الكحل في أصول الأسنان ليشرق السواد مع البياض، وكان ذلك مما يستحسنونه، ولا سيما إذا كانت اللثة بيضاء غير حمراء، فكرهوا أن تكون اللثة بيضاء كالأسنان فغيروها بذلك، ثم قال "كالأقحوان" رجع إلى وصف الثغر، فوصفه بالأقحوان لبياض نوره وطيبه "جفت أعاليه وأسفله ند" شبهه بالأقحوان في هذه الحال، وذلك أن الأقحوان إذا كان في غب مطر، ولم تطلع عليه الشمس، فهو ملتف مجتمع غير منبسط، وكذلك كل الأنوار يكره أن يشبه الثغر به في هذه الحال، فيكون كالمتراكب بعضه على بعض، فشبهه بالأقحوان إذا أصابته الشمس فقال:"جفت أعاليه" يريد انبسطت وذهب تجعدها، وقال:"وأسفله ند" فاحترز من أن يكون جف وذوي كله".
فواضح من هذا الشرح أن صاحبه يجعل ابراز المعاني همه ويبين مقصد الشاعر في كل معنى صاغه، وينظر إلى الواقع الذي عاشه الشاعر، وصوره كما رآه، وهو بهذا شرح يعد أدبيًا بحتًا، يبعد عن الإغراق في اللغة وجزئياتها والنحو وقضاياه.
وثالث هذه الجوانب في شرح الشعر وتطوره أنه كان قد بدأ عند علماء الطبقة الأولى والثانية وتلاميذهم ذا مقصد تثقيفي، ثم تحول عند الاجيال التي تلت هؤلاء وقبيل بدء شروح الحماسة من مقصده هذا إلى مقصد تعليمي، وبذلك توسعت دائرته كثيرًا فأصبح يدل على شيء غير قليل من التعمق في دراسة اللغة وتحليلها تحليلًا يشمل جميع أجزائها، مع مناقشة معانيها المختلفة في تعابيرها المختلفة، وكذلك دراسة مستقصية للنحو ومشكلاته، وطرح آراء العلماء فيه ومناقشتها من خلال