النظرة المذهبية التي تتحكم في مسار الشارح. هذا فضلًا عن شرحهم للمعاني وما فيها من تأويلات قال بها من سبقهم من العلماء أو تأويلات مبتدعة اجتهدوا فيها، محاولين في كل ذلك أن يدعموا ما يرونه في المعاني وتأويلاتها بالقرآن الكريم أو الحديث الشريف أو المثل السائر أو الشعر الموروث، ومن ثم بدأنا نرى أن شرح البيت الواحد قد صار يضم مادة وفيرة من العلم في فروعه المختلفة.
هذه الجوانب الثلاثة هي أهم ما يخرج به الباحث في تتبعه لشرح الشعر وتطوره عند العلماء الأوائل ومن جاء بعدهم، ولا شك أن شروح الحماسة عندما ظهرت إلى الوجود كانت متأثرة بجميع ما طرأ على شرح الشعر بعامة لأن هؤلاء الشراح الذين تصدوا لشرح متن حماسة أبي تمام لم يكونوا بمعزل عن حركة شرح الشعر وتطوره، فكما كانت أجيال العلماء التي توالت بعد الجيل الأول جيل أبي عمرو بن العلاء وحماد الرواية تتأثر بأساتذتها وتنقل آراءهم وتضيف إليها ما يتحقق باجتهادها، كان شراح حماسة أبي تمام متأثرين بما سمعوه من شيوخهم في دروس النحو واللغة والرواية والنقد، ينقلون أقوالهم وأقوال سابقيهم في تسليم حينًا ومناقشة أحيانًا أخرى، وسوف نرى من خلال الفصول التالية كيف أن هؤلاء الذين تصدوا لشرح حماسة أبي تمام قد شغلوا حيزًا غير قليل من شروحهم بآراء السابقين من أمثال الأصمعي وأبي عبيدة وابن الأعرابي والأخفش والرياشي والمازني وغيرهم من علماء الطبقة الثانية والثالثة.
كذلك يمكن أن نلحظ أن الشراح الحماسة قد كانوا مثل الشيوخ السابقين حيث انصب اهتمام بعضهم في ناحية من النواحي التي تشكل عناصر شرح الشعر، فمنهم من اهتم بالغريب ومناقشته كأبي العلاء المعري، ومنهم من قصر جهده على النحو وعويصاته كأبي الفتح ابن جني، ومنهم من وقف عند الأخبار كأبي رياش، ومنهم من توخي المعاني لا يتجاوزها كأبي عبد الله النمري، ثم كان منهم من حاول أن يجمع بين هذه العناصر جميعًا في تفاوت واضح مثل أبي علي المرزوقي.
ومن الملاحظ أيضًا أن هؤلاء الشراح الذين تصدوا لشرح الحماسة قد ساروا في طريق التحول الذي رأيناه عند شراح الشعر بعامة، وهو التحول الذي لاحظناه في