ما أن وقف العلماء على حماسة أبي تمام حتى أدركوا قيمة ما اختاره من أشعار العرب فيها، ومن ثم بدأت رحلة شروحها منذ ذلك العهد وحتى عصرنا هذا الحديث.
وليس تحت أيدينا ما يدل على سنة معينة لبدء هذه الرحلة، ولا أول شارح كان له فضل السبق بشرف الاضطلاع بتفسير معاني الحماسة، ذلك لأن أول عالم بلغنا خبره في صناعة شرح للحماسة هو أبو محمد القاسم بن محمد الديمرتي المتوفى سنة ٢٨٧ هـ. غير أني وجدت في مقدمة مختصر "معاني أبيات الحماسة" لأبي عبد الله الحسين بن علي النمري المتوفى سنة ٣٨٥ هـ ما نصه: "ونظرت في الكتاب المعروف بالعارض في الحماسة المنسوب إلى الديمرتي، وهو كتاب شرط فيه تفسير ما يعرض من لفظ ومعنى، فخبط خبط عشواء فيها متبعًا ومبتدعًا، وقد ذكرت طرفًا من خطئه وصوابه"، فقوله:"متبعًا" يدل على أن هناك من سبق الديمرتي في شرح الحماسة ولكن لم يصل إلينا خبر عنه، وعلى هذا فإن أقدم من وصل إلينا أنه شرح الحماسة هو القاسم الديمرتي، وهذا بخلاف ما ذكره البغدادي في خزانة الأدب أن أول من شرح الحماسة هو أبو عبد الله النمري، وكذلك بخلاف ما تصوره عبد السلام هارون وعبد الله عبد الرحيم عسيلان أن أول شارح لها هو أبو رياش أحمد بن إبراهيم أستاذ النمري المتوفى سنة ٣٣٩ هـ.
وكان كل من عبد السلام هارون وعبد الله عسيلان قد أوردا ثبتًا لشروح الحماسة، وضعنا في مقدمته شرحن أبي رياش، غير أننا - والأمر كما أوضحت نضع شرح الديمرتي في مقدمة هذه الشروح باعتباره أقدم شرح وصل إلينا خبره، مع غلبة ظننا التي تذهب إلى أن هناك من سبقه في هذا الشأن.