للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

سعادته، وهو أهل لها وفي تكليفه بها تشريفه وتكريمه، وتوجيهه وتسديده، لتتم له السعادة في الدنيا والآخرة.

ثم إن الأحكام الشرعية التي جاءت بها شريعة الله ليست جميعها تكاليف إلزامية، وإنما جاءت على أشكال متعددة. فمنها ما وضع للبشر ليسيروا على نهجها مع خلوها من الطلب والتكليف، وهي التي تسمى في اصطلاح العلماء الأحكام الوضعية.

ومنها ما تضمن صوراً من الطلب والِإلزام، تختلف درجة الطلب فيها بين الجزم والترغيب والترهيب، وهي التي تعرف في اصطلاح العلماء بالأحكام التكليفية.

ومنها أحكام اختيارية خلت عن الطلب مطلقاً، وترك الخيار فيها للمكلف يفعل ما يشاء وهي التي تمثل دائرة المباح ...

وإذا ما قارن الناظر بين هذه الأحكام المختلفة وجد دائرة الإختيار والترغيب في الأحكام أوسع بكثير من دائرة الإِلزام أمراً أو نهياً، مما يوسع على المكلف ويترك له فسحة واسعة من الإختيار والحرية في الفعل والترك، فيترك بعضها أحياناً بمطلق إرادته، حيث خيره الشارع فيها. كما يفعل كثيراً منها رغبة وتطوعاً من نفسه؛ طمعاً في ثواب أو حرصًا على كمال حيث رغبة الشارع في فعلها أو تركها. إذن: فلم يبق بعد ذلك من الإِلزام في الأمر والنهي سوى دائرة ليست من مصلحته أن تترك كغيرها، لحظورتها وأهميتها، خشية أن لا يهتدى بعقله فيها إلى الصواب، فيضل ويشقى فتصبح دائرة التكليف الِإلزامي أضيق دوائر الأحكام الشرعية. وبهذا يتضح لنا بجلاء:

"أن الأحكام الشرعية في حقيقتها توجيه وتشريف أكثر منها قيوداً

<<  <   >  >>