للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن قد يحدث أن يبدي بعض الخصوم شيئًا والواقع خلافه، ومن هنا يأمر الإِسلام من يتولى الفصل بين المتنازعين بأن يجتهد وسعه في تحري الحقيقة والواقع مستنيرًا في ذلك بما لدى الخصمين من إقرارات، وحجج وبينات، ولكن يتجلى يسر الإِسلام وسماحته في أنه لم يكلفه إصابة عين الواقع (١). فهو بشر لا يعلم الغيب ولا يطلع على الأفئدة ليعلم الصادق من الكاذب، ولعل بعض الخصوم يكون أبلغ من بعض وأفصح وأبين في حجته منه فيقضي له بما سمعه منه فقط ويجري حكمه على وفق الظاهر ويدع بواطن الأمور لله -تعالى- فهو - سبحانه - وحده الذي يعلم ما تكنه الأنفس وما تخفيه الصدور.

روى البخاري في صحيحه: عن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - جلبة خصام عند بابه فخرج عليهم فقال لهم: "إنما أنا بشر، وأنه يأتيني الخصم فلعل بعضاً يكون أبلغ من بعض أقضي له بذلك وأحسب أنه صادق فمن قضيت له بحق مسلم فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليدعها) (٢).

قال النووي -رَحِمَهُ اللهُ- في شرح مسلم: "معناه: التنبيه على حالة البشرية وأن البشر لا يعلمون من بواطن الأمور شيئًا إلَّا أن يطلعهم الله -تعالى-على شيء من ذلك. وأنه يجوز عليه - صلى الله عليه وسلم - في أمور الأحكام ما يجوز عليهم، وأنه إنما يحكم بين الناس بالظاهر والله يتولى السرائر فيحكم بالبينة وباليمين ونحو ذلك من أحكام الظاهر، مع إمكان كونه في الباطن


(١) صور من سماحة الإِسلام، د. عبد العزيز الربيعة ص ٢٢، ٢٣.
(٢) صحيح البخاري ٨/ ١١٧؛؛ باب ٣١ من كتاب الأحكام.

<<  <   >  >>