للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلاف ذلك ولكنه إنما كلف الحكم بالظاهر، وهذا نحو قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلَّا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلَّا بحقها وحسابهم على الله" (١). "ففيه أن الأحكام تجري على الظاهر والله يتولى السرائر، ولو شاء الله -تعالى- لأطلعه على باطن أمر الخصمين فحكم بيقين نفسه من خير حاجة إلى شهادة أو يمين، ولكن لما أمر الله -تعالى- أمته - صلى الله عليه وسلم - باتباعه والإقتداء بأقواله وأفعاله وأحكامه، أجرى له حكمهم في عدم الإطلاع على باطن الأمور ليكون حكم الأمة في ذلك حكمه فأجرى الله -تعالى- أحكامه على الظاهر الذي يستوي فيه هو وغيره، ليصح الإقتداء به وتطيب نفوس العباد للإنقياد للأحكام الظاهرة من غير نظر إلى الباطن والله أعلم" (٢).

وبما أن الشهادة إحدى الوسائل التي تعين القاضي على إصابة الحق، فقد وردت نصوص في القرآن والسنَّة تنهي عن الكذب في الشهادة وتحذر من كتمانها، فمن ذلك قوله -تعالى-: {وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} (٣)، وقوله -تعالى-: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ...} (٤) الآية، وغير ذلك.

وقد وضع الفقهاء -رَحِمَهُمُ اللهُ- شروطًا إذا توافرت في الشاهد وُصِفَ بالعدالة، وإذا اختل شرط منها وصف بعدم العدالة، ولكن كلها لا تعدو أن تكون شروطًا ظاهرة من غير كشف عن سريرة الشاهد ومعرفة ما


(١) صحيح مسلم ١/ ٥٣ حديث رقم ٢٠ مسلسل ٣٥ باب ٨ كتاب الإِيمان.
(٢) صحيح مسلم بشرح الإِمام النووي ١/ ٢١٢، ١٢/ ٥.
(٣) سورة الحج: آية ٣٠.
(٤) سورة البقرة: آية ٢٨٣.

<<  <   >  >>