للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومثاله من السنَّة النبوية: ما روى البخاري بسنده: عن سلمة بن الأكوع قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "من ضحى منكم فلا يصبحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان العام المقبل قالوا يارسول الله نفعل كما فعلنا العام الماضي قال: كلوا وأطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فأردت أن تعينوا فيها" (١).

فهذا مثل واضح لتغير الفتوى بتغير الأحوال والظروف، فقد نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ادخار لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام لعلة معينة وأسباب طارئة فلما انتهى هذا السبب العارض وزالت هذه العلة الطارئة زال الحكم الذي أفتى به الرسول تبعًا لها وغير فتواه من المنع إلى الإِباحة. وأكثر الفقهاء على اعتبار هذه الإِباحة نسخًا للنهي المتقدم والتحقيق أنه ليس من باب النسخ بل من باب نفي الحكم بانتفاء علته" (٢).

قال الإمام القرطبي في تفسيره: "اعلم أن المرفوع بالنسخ لا يحكم به أبداً، والمرفوع لارتفاع عليته يعود الحكم لعود العلة، فلو قدم على أهل بلدة ناس يحتاجون في زمان الأضحى ولم يكن عند أهل ذلك البلدة سعة يسدون بها فاقتهم إلَّا الضحايا لتعين عليهم أن لا يدَّخروها فوق ثلاث كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - " (٣).

والناظر في سنَّة الراشدين وهدي الصحابة - رضي الله عنهم - يجدهم أفقه الناس في استعمال هذه القاعدة - قاعدة تغير الفتوى بتغير موجباتها - ولذلك أمثلة عديدة منها:


(١) صحيح البخاري ٦/ ٢٣٩ - باب ١٦ من كتاب الأضاحي.
(٢) وجوب تطبيق الشريعة الإِسلامية ص ١١٨، ١١٩.
(٣) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٢/ ٤٨.

<<  <   >  >>