للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال الحافظ ابن حجر (١) -رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى-: (قال القاضي عياض: أجمعوا على وجوب الحد في الخمر واختلفوا في تقديره فذهب الجمهور إلى الثمانين، وقال الشافعي في المشهور عنه، وأحمد في رواية، وأبو ثور وداود أربعين، وتبعه على نقل الإِجماع ابن دقيق العيد والنووي، وما تبعهما وتعقب بأن الطبري، وابن المنذر وغيرها حكوا عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير، بدليل الأحاديث الصحيحة التي سكتت عن تعيين عدد الضرب، وما جاء عن ابن عباس وابن شهاب من أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقتصر في ضرب الشارب على ما يليق بحاله ... "وللدارقطني عن عبد الرحمن ابن أزهر قال: ... وكان عمر إذا أتى بالرجل الضعيف الذي كانت منه الذلة ضربه أربعين، قال وجلد عثمان أيضًا ثمانين وأربعين) (٢).

وبعدُ: فإن الإستقراء أثبت أن الأحكام كلها في الشريعة الإِسلامية تقوم على المصلحة الإنسانية، فما من أمر أوحكم للإِسلام إلَّا وقد أثبت فيه المصلحة وحرص فيه على حرية الأفراد وحقوق الجماعات، وضمان أمنها واستقرارها وحريتها التامة ... وهذه هي الشريعة الإِسلامية قد أوجبت الحد على من شرب السكر من أي نوع دون ضرورة ملجئة إلى ذلك، ولكن مراعاة لحال الشارب واستجابة لظروفه نرى أن حكمه يختلف عن حكم من اشتهر بالعتو والفسوق مما يجعلنا نقول: إن حد شارب الخمر يمكن أن يدخل في باب العقوبة ذات الحدين أي يكون لها حد أدنى يمكن الإكتفاء به إذا رأى الحاكم أن ذلك يكفي لردع الشارب وإن عاد إليها أمكن للحاكم أن يزيد في


(١) فتح الباري ١٢/ ١٧٣.
(٢) سنن الدارقطني/ ١٥٧.

<<  <   >  >>