للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خاصة فيما يتصل بقضية العقيدة: "لما وجه أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - خالد بن الوليد إلى العراق خرج على تعبية (أي على أهبة واستعداد) وجعل يمر على البلاد والحصون يفتحها بلدًا بلدًا وحصنًا حصنًا حتى وصل إلى الحيرة- فخرج إليه عبد المسيح بن بقيلة وإياس بن قبيصة الطائي، وصالحه إياس على أداء الجزية وقال له: ما لنا في حربك من حاجة، وما نريد أن ندخل معك في دينك نقيم على ديننا ونعطيك الجزية: فصالحهم خالد ورحل عنهم على أن لا يهدم لهم بيعة ولا كنيسة ولا قصرًا من قصورهم التي كانوا بتحصنون فيها إذا نزل بهم عدو لهم، ولا يمنعون من ضرب النواقيس ولا من إخراج الصلبان في يوم عيدهم وعلى أن لا يشتملوا على ريبة أو فساد" (١).

بهذه المعاملة السمحة والأخلاق الكريمة عقدت المعاهدات والمواثيق التي تعد أساسًا عمليًا لتطبيق التشريع الإِسلامي المتعلق بتحديد العلاقة فيما بين المسلمين وغيرهم من الطوائف والأمم والشعوب والتي كان لها آثار بعيدة المدى عميقة الجذور في تاريخ الفتوحات الإِسلامية وانتشار الدعوة إلى الله، والنبي - صلى الله عليه وسلم - إذ يتولى بنفسه تطبيق هذه المبادئ التشريعية لأمته إنما يرسم بعمله هذا طريق التأسي به في تحديد العلاقة بين المسلمين وغيرهم من الطوائف والأمم والجماعات.

على أن هذه المبادئ السمحة الراشدة تنقض الفكرة المتعنتة الجاحدة التي يرددها أعداء الإنسانية وأعداء الحق والحرية الذين قهرهم الإِسلام بعدله وفضله وتشريعه بتصوير فتوحاته غروًا ماديًا وإكراهًا للناس بقوة السلاح على


(١) الخراج لأَبي يوسف ص ١٤٢، ١٤٣.

<<  <   >  >>