أنهم لم يدرسوا نظرة الإِسلام للجريمة والعقاب على حقيقتها ولهذا يتصورون خطأ أنها كعقوباتهم "المدنية" ستطبق كل يوم فيتصورون في المجتمع الإِسلامي حدوث مجزرة هائلة كل يوم هذا يجلد وهذا يقطع وهذا يرجم ولكن الواقع خلاف ما يتصورون) (١).
وبعد: فهذه أهم الأسباب التي يتجنون عليه ويتصورون أنه بمعزل عن الحياة أو أنه قد استنفد أغراضه!! ساء ما يتصورون ولبئس ما يفكرون.
إنهم يزعمون أن في إقامة الحدود ضربًا من القسوة العاتية التي تتنافى مع الإنسانية الرحيمة ومع الشفقة التي يجب أن يتحلى بها الناس والتي تساير المدنية الحديثة والحضارة الراقية، ولكن نقول لهم:
نعم: إن في إقامة الحدود مظهرًا من مظاهر القسوة والشدة، ولابد لكل عقوبة أن يكون فيها مظهر قسوة أيًا كانت حتى تأديب الرجل لولده فيه مظهر من مظاهر القوسة والشدة، والعقوبة إن لم تشتمل على شيء من القسوة فأي أثر لها في الزجر والردع؟!. ثم إن العقوبة في ظاهرها قسوة وشدة وفي حقيقتها ومخبرها رحمة وشفقة بل هي الرحمة والشفقة بعينها؛ إذ لو ترك العضو المريض ونار الألم تتوهج وتستشري لأودى بحياة المريض بل وسار سرطان الجريمة في أوصال المجتمع كله فكان من الواجب ومن الحكمة أن يبتر عضو فاسد مفسد؛ إبقاء وإنقاء ليكان المجتمع كله.
على أن الإِسلام قبل أن يحكم على إنسان بالقتل أو بالقطع أو بالرجم أو بالجلد قدم له من وسائل الوقاية ما يكفي عن إِبعاده عن الجريمة لو كان
(١) انظر: شبهات حول الإِسلام: محمد قطب من ص ١٣٨، ١٤٠