للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عمله على التعليم دون التوجيه الاجتماعي، واقتصر التعليم فيه على قراءة كتب معينة من كتب المتأخرين، وصرف الجهد كله في حل العُقَد من ألفاظها وكشف الغامض من معانيها ... أي أن المقصد من التعليم كان الكتاب لا العلم (كما قال الشيخ محمد عبده). وكانت كتب الأئمة الأوّلين في الفقه والعربية وغيرهما منسية متروكة لا يكاد أحد يرجع إليها، وكان من هذه العلوم ما هو عبث لا طائل تحته ولا يكاد ينفع في دنيا ولا دين، كعلم الكلام (النّسَفية والسنوسية والمواقف وأشباهها) وعلم المنطق، ولقد كاد يسبقني القلم فأُلحق بها الكتب الأزهرية في البلاغة، وهي أقوى العوامل في إبعاد الطلاب عن البلاغة!

وكان عمل «المنار» وتلك الطائفة من العلماء الأخيار منحصراً في بقعة ضيقة وأفراد قلائل، لا يتعداهم أثره ولا يصل إلى جماهير الشعب ولا إلى طلاب المدارس، ولم يكن للدعوة من الصحف إلا المجلة الأسبوعية الجديدة يومئذ، مجلة «الفتح» التي أنشأها الأستاذ محب الدين. ولم أعدّ «المنار» من الصحف لأنها أولاً مجلة شهرية، ولأنها علمية ترتفع ثانياً عن أفهام الشباب ومدارك الأوساط من الناس، ولأنها لا تكاد تُباع في الأسواق ولا يقرؤها إلا المشتركون فيها. لذلك كله لم تتصل بالناس اتصالاً مباشراً، وإن كان لها أثر غير مباشر، أثر ظاهر في توجيه الفكر الإسلامي الحديث، وأن قرّاءها -على قلتهم- كانوا منبَثّين في جميع بلاد الإسلام، وكان لهم في بلدانهم منزلة عالية ومكان مرموق.

فكان الناس قسمين: مشايخ وأفندية، وكان الشعب بينهما

<<  <   >  >>