فالقومية -بهذا التفسير- لا تخالف الإسلام، بل تؤيده ويؤيدها.
أما إذا كان المراد بالقومية أن نجعل الرابطة بيننا اللغة والدم، وأن ننكر أخُوّة الدين ونبرأ من أهلها ولو كانوا في الإسلام على قدم صهيب وبلال وسلمان، وأن ننفي الدين من السياسة وننأى به عن التشريع ولا نباليه ولا نحفله، وأن نهمل صفة النبوّة في محمد صلى الله عليه وسلم فلا نرى فيه إلا زعيماً عربياً ورئيساً قومياً، وأن لا نهتم من القرآن إلا بلغته وبلاغته دون مغزاه وغايته، فالقومية -بهذا المعنى- ليست مخالفة للإسلام فحسب، ولكنها هدم للإسلام من أساسه وعودة إلى الجاهلية الأولى، يوم لم يكن كتاب أُنزِل ولا نبي بُعث ولا نور أضاء ... وهذه التي قال عنها العارفون إنها دسيسة خبيثة من عمل الإنكليز، بدليل أن شيئاً اسمه «قومية عربية» لم يعرفه العرب قط، وإنما عرفوا عصبية قَبَلية، نعاها عليهم الإسلام وسفَّه أهلها، فاختفت حيناً، ثم ظهرت عند من لا يزعه وازع قوي من دين؛ كالشعراء ورجال السياسة (أعني بعضهم) وناس من الأعراب قالوا قيسية وقالوا يمانية.
ولم تُعرَف هذه الدعوة القومية على الوجه الذي بيّنا إلا في آخر الزمان، حين عجزت دول أوربا عن قتل «الرجل المريض» بزعمهم، فدسّت له سكين القوميات تحزّ في مفاصله وتقطع أوصاله؛ وكان ما كان مما يعرف الناس وما يأبى الله والإسلام، وانتهينا إلى الفرقة في السياسة وفي الأجناس والمذاهب، وصرنا إلى حال لو تأمل حقيقتَها المتأملُ لرأى ما تمَّ منها (في بعض البلدان المسلمة) يدل دلالة البرهان القاطع على أن المراد من هذه