للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن سنان عن قوله تعالى: «ما إِنَّ مَفاتِحَهُ لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ» (١)، إنّه ليس من القلب، وإنّما المراد أنّ المفاتيح تنوء بالعصبة، أى: تميلها من ثقلها. وكذلك قوله تعالى: «وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ» (٢) ليس- على ما يزعم بعضهم- المراد به: وإنّ حبه للخير لشديد، بل المقصود به أنّه لحب المال لبخيل، والشدة: البخل، أى: من حبه للمال يبخل.

وحمل ابن جنى على المقلوب قول المتنبى:

نحن ركب ملجنّ فى زى ناس ... فوق طير لها شخوص الجمال

وقال إنّ تقديره: نحن ركب من الإنس فى زى الجن فوق جمال لها شخوص طير. وقال ابن سنان معقبا على هذا التفسير: «وهذا عندى تعسف من أبى الفتح لا تقود إليه الضرورة. ومراد أبى الطيب المبالغة على حسب ما جرت به عادة الشعراء فيقول: نحن قوم من الجن لجوبنا الفلاة والمهامه والقفار التى لا تسلك وقلة فرقنا فيها، إلّا أنّنا فى زى الإنس، وهم على الحقيقة كذلك ونحن فوق طير من سرعة إبلنا إلّا أنّ شخوصها شخوص الجمال، ولا شك أيضا فى ذلك (٣)».

وقال عن بيت قطرى بن الفجاءة:

ثم انصرفت وقد أصبت ولم أصب ... جذع البصيرة قارح الإقدام

«حملوه على المقلوب وقالوا: يريد قارح البصيرة جذع الإقدام، كما يقال غرور أى مجرب. وقد كان أبو العلاء صاعد بن عيسى الكاتب أجازنى فى بعض الأيام هذا البيت وقال: ما المانع من أن يكون مقصوده: لم أصب


(١) القصص ٧٦.
(٢) العاديات ٨.
(٣) سر الفصاحة ص ١٣٢، وينظر عروس الأفراح- شروح التلخيص ج ١ ص ٤٩١.

<<  <   >  >>