للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أى لم ألف على هذه الحال بل وجدت على خلافها جذع الإقدام قارح البصيرة ويكون الكلام على جهته غير مقلوب. وتمكن الدلالة على أنّ قوله «لم أصب» فى البيت بمعنى «لم ألف» دون ما يقولون من أنّ مراده به لم أجرح بقوله، قبله:

لا يركنن أحد إلى الإحجام ... يوم الوغى متخوفا لحمام

فلقد أرانى للرماح دريئة ... من عن يمينى تارة وأمامى

حتى خضبت بما تحدّر من دمى ... أكناف سرجى أو عنان لجامى

فكيف يكون لم يصب وقد خضب هذا بدمه؟ فأما قولهم: إنّه أراد من دمى أى من دم قومى وبنى عمى فمبالغة منهم فى التعسف والعدول عن وجه الكلام ليستمر لهم أن يكون فاسدا غير صحيح.

وهذا الذى ذكره أبو العلاء وسبق إليه، له وجه يجب تقبله واتباعه فيه وفحوى كلام قطرى يدل على أنّه أراد أنّه جرح ولم يمت، إعلاما أن الإقدام غير علة فى الحمام، وحثا على الشجاعة، ونهيا عن الفرار» (١).

وقال بعد ذلك كله «ومن طريف التفسير للشعر أن يتأول ليقع الفساد فيه، ولو حمل على ظاهره كان صوابا صحيحا» (٢)، ومعنى ذلك أنّ ابن سنان لا يميل إلى القلب والتأويل لئلا يخرج الكلام على مقتضى الظاهر فيفسد ويبعد عن الهدف الذى رمى إليه قائله.

وأنكر القلب حازم القرطاجنى وقال إنّه مما يجب أن ينزه كتاب الله عنه لأنّ العرب إذا صدر ذلك منهم فيقصد العبث أو التهكم أو المحاكاة أو حال الاضطرار، والله منزّه عن ذلك. وقال: «فكل كلام يمكن حمله على غير القلب بتأويل لا يبعد معناه فليس يجب حمله على القلب. وأما ما لا يمكن


(١) سر الفصاحة ص ١٣٢ - ١٣٣.
(٢) سر الفصاحة ص ١١٣.

<<  <   >  >>