للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

صفائه، واتساع مجارى الكلام، وتسهيل الوزن والقافية، وهذا ما أشار إليه البلاغيون المتقدمون ورفضه ابن الأثير.

وأما الفوائد الخاصة فتختلف باختلاف محاله ومواقع الكلام فيه على ما يقصده المتكلم، ومنها:

- قصد تعظيم شأن المخاطب، كما فى قوله تعالى: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» (١) فان العبد إذا افتتح حمد مولاه بقوله «الحمد لله» الدالّ على اختصاصه بالحمد وجد من نفسه التحرك للاقبال عليه سبحانه، فاذا انتقل إلى قوله: «رَبِّ الْعالَمِينَ» الدال على ربوبيته لجميعهم قوى تحركه، فاذا قال: «الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ» الدال على أنه منعم بأنواع النعم جليلها وحقيرها تزايد التحرك عنده، فاذا وصل إلى «مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ» وهو خاتمة الصفات الدالة على أنّه مالك الأمر يوم الجزاء فيتأهب قربه، ويتقن الإقبال عليه بتخصيصه بغاية الخضوع والاستعانة فى المهمات. ثم انتقل من خطاب الغائب إلى الحاضر فقال: «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ» لينسب إلى التعظيم حال المخاطبة والمواجهة على ما هو أعلى رتبة وذلك عن طريق التأدب. وعلى نحو من ذلك جاء آخر السورة فقال: «الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ» مصرحا بذكر المنعم وإسناد الإنعام إليه لفظا، ولم يقل «صراط المنعم عليهم» فلما صار إلى ذكر الغضب روى عنه لفظ الغضب فى النسبة إليه لفظا وجاء باللفظ متحرفا عن ذكر الغاضب فلم يقل «غير المغضوب غضبت عليهم» تفاديا عن نسبة الغضب فى اللفظ حال المواجهة.

- التنبيه على ما حق الكلام أن يكون واردا عليه، كقوله تعالى: «وَما لِيَ لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ» (٢)، أصل الكلام «وما لكم لا تعبدون الذى فطركم» ولكنه أبرز الكلام فى معرض المناصحة


(١) الفاتحة ١.
(٢) يس ٢٢.

<<  <   >  >>