للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

موصوف بفصاحة لأنّه ضدها لمكان قبحه. ولو كانت الفصاحة لأمر يرجع إلى المعنى لكانت هذه الألفاظ فى الدلالة عليه سواء ليس منها حسن ومنها قبيح، ولما لم يكن كذلك علم أنّها تخص اللفظ دون المعنى. وابن الأثير لم يفصل بين اللفظ والمعنى فى هذا القول وإنّما خصّ اللفظ بصفة هى له، والمعنى يجئ فيه ضمنا وتبعا.

وأشار إلى الفصاحة عند المتقدمين فقال: «وقد ذكر من تقدّمنى من علماء البيان للألفاظ المفردة خصائص وهيآت تتصف بها، واختلفوا فى ذلك، واستحسن أحدهم شيئا فخولف فيه وكذلك استقبح الآخر شيئا فخولف فيه، ولو حققوا النظر ووقفوا على السر فى اتصاف بعض الألفاظ بالحسن وبعضها بالقبح لما كان بينهم خلاف فى شئ منها» (١).

وردّ رأى من ذهب إلى أنّ كل الألفاظ حسن وقال: «ومن يبلغ جهله إلى أن لا يفرق بين لفظة «الغصن» ولفظة «العسلوج»، وبين لفظة «المدامة» ولفظة «الاسفنط» وبين لفظة «السيف» ولفظة «الخنشليل»، وبين لفظة «الأسد» ولفظة «الفدوكس»، فلا ينبغى أن يخاطب بخطاب ولا يجاوب بجواب، بل يترك وشأنه كما قيل: «اتركوا الجاهل بجهله ولو ألقى الجعر (٢) فى رحله». وما مثاله فى هذا المقام إلّا كمن يسوّى بين صورة زنجية سوداء شوهاء الخلق ذات عين محمرة وشفة غليظة كأنها كلوة وشعر قطط (٣) كأنه زبيبة، وبين صورة رومية بيضاء مشربة بحمرة ذات خد أسيل وطرف كحيل، ومبسم كأنما نظم من أقاح، وطرة كأنها ليل على صباح. فاذا كان بانسان من

سقم النظر أن يسوّى بين هذه الصورة وهذه فلا يبعد أن يكون به من سقم النظر أن يسوى بين هذه الألفاظ وهذه. ولا فرق بين النظر والسمع فى هذا المقام فان هذا حاسة وهذا حاسة، وقياس حاسة على حاسة مناسب».


(١) المثل السائر، ج ١ ص ١٤٨.
(٢) الجعر: ما يبس من العذرة فى المجعر أى الدبر، أو نحو كل ذات مخلب من السباع.
(٣) الشعر القطط: القصير الجعد.

<<  <   >  >>