للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يعجب الناس من الحلى والآنية، وكالنحل وجدت ثمرات أخرجها الله طيبة وسلكت سبلا جعلها الله ذللا فصار ذلك شفاء وطعاما وشرابا منسوبا إليها مذكورا به أمرها وصنعتها. فمن جرى على لسانه كلام يستحسنه أو يستحسن منه فلا يعجبن به إعجاب المخترع المبتدع، فانه إنما اجتباه كما وصفنا» (١)

وأخذ البلاغيون هذا الكلام وأداروه فى كتاباتهم من غير أن يشيروا إلى ابن المقفع فقال الجاحظ (- هـ): «فانما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير» (٢)، وتحدث عن النظم فى كتبه وسمّى أحدها «نظم القرآن»، قال: «كما عبت كتابى فى الاحتجاج لنظم القرآن وغريب تأليفه وبديع تركيبه» (٣). وقال: «وفى كتابنا المنزل الذى يدلّ على أنّه صدق، نظمه البديع الذى لا يقدر على مثله العباد مع ما سوى ذلك من الدلائل التى جاء بها من جاء به» (٤). والجاحظ فى هذين النصين وغيرهما يؤمن بأنّ القرآن الكريم معجز بنظمه وما فيه من بلاغة تأسر القلوب.

وكان لمسألة إعجاز القرآن أثر فى بلورة فكرة النظم، وقد ذهب قوم من المتكلمين إلى أن وجه الاعجاز هو ما اشتمل عليه القرآن من النظم الغريب المخالف لنظم العرب ونثرهم فى مطالعه ومقاطعه وفواصله. وذهبت جماعة منهم إلى أن وجه الاعجاز فى مجموع الأمرين: النظم، وكونه فى أعلى درجات البلاغة.

ولأبى عبد الله محمد بن يزيد الواسطى (- هـ) كتاب فى إعجاز القرآن سماه «إعجاز القرآن فى نظمه وتأليفه»، ولا نعرف عنه شيئا مع أنّ عبد القاهر الجرجانى شرحه مرتين، لأنّ الأصل وشرحيه لم تصل وإن كان العنوان يدل على أنّه عالج مسألة النظم وأقام عليها إعجاز كتاب الله.


(١) الأدب الصغير- آثار ابن المقفع ص ٣١٩، ورسائل البلغاء ص ٥ - ٦.
(٢) الحيوان ج ٣ ص ١٣٢.
(٣) الحيوان ج ١ ص ٩.
(٤) الحيوان ج ٤ ص ٩٠.

<<  <   >  >>