للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدها: أنّ المعنى نشهد شهادة واطأت فيها قلوبنا ألسنتنا، كما يترجم عنه «إنّ» واللام، وكون الجملة اسمية فى قولهم: «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»، فالتكذيب فى قولهم «نشهد» وادعائهم فيه المواطأة لا فى قولهم «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ»

وثانيها: أنّ التكذيب فى تسميتهم إخباره شهادة، لأنّ الإخبار إذا خلا عن المواطأة لم يكن شهادة فى الحقيقة.

وثالثها: أنّ المعنى لكاذبون فى قولهم: «إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ» عند أنفسهم لاعتقادهم أنّه خبر على خلاف ما عليه حال المخبر عنه.

الرأى الثانى: ينسب إلى أبى عثمان الجاحظ (- هـ)، وفيه أنكر انحصار الخبر فى الصدق والكذب، وزعم أنّه ثلاثة أقسام: صادق، وكاذب، وغير صادق ولا كاذب. فالخبر الصادق هو المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنّه مطابق، والخبر الكاذب هو الذى لا يطابق الواقع مع الاعتقاد بأنّه غير مطابق. أما الخبر الذى ليس بصادق ولا كاذب فهو أربعة أنواع:

- الخبر المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه غير مطابق.

- الخبر المطابق للواقع بلا اعتقاد.

- الخبر غير المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه مطابق.

- الخبر غير المطابق للواقع بلا اعتقاد.

واحتج بقوله تعالى: «أَفْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ» (١)، فانهم حصروا دعوى النبى- صلى الله عليه وسلم-

الرسالة فى الافتراء والإخبار حال الجنون، بمعنى امتناع الخلو، وليس إخباره حال الجنون كذبا لجعلهم الافتراء فى مقابلته، ولا صدقا لأنّهم لم يعتقدوا صدقه، فثبت أنّ من الخبر ما ليس بصادق ولا كاذب (٢).


(١) سبأ ٨.
(٢) ينظر الإيضاح ص ١٣ - ١٥، وشروح التلخيص ج ١ ص ١٧٦ وما بعدها.

<<  <   >  >>