للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكنّ الخبر كثيرا ما يخرج على خلاف مقتضى الظاهر، يقول السكاكى «هذا ثم إنّك ترى المفلقين السحرة فى هذا الفن ينفثون الكلام لا على مقتضى الظاهر كثيرا» (١).

ومن ذلك:

- أن ينزل غير السائل منزلة السائل إذا قدم إليه ما يلوح له بحكم الخبر فيستشرف له استشراف المتردد الطالب، كقوله تعالى: «وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ» (٢)، وقوله: «وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ» (٣). قال القزوينى: «وسلوك هذه الطريقة شعبة من البلاغة فيها دقة وغموض، وروى عن الأصمعى أنّه قال:

كان أبو عمرو بن العلاء وخلف الأحمر يأتيان بشارا فيسلمان عليه بغاية الإعظام ثم يقولان: يا أبا معاذ ما أحدثت؟ فيخبرهما وينشدهما ويكتبان عنه متواضعين له حتى يأتى وقت الزوال ثم ينصرفان، فأتياه يوما فقالا: ما هذه القصيدة التى أحدثتها فى ابن قتيبة؟ قال هى التى بلغتكما. قالا: بلغنا أنّك أكثرت فيها من الغريب. قال: نعم، إنّ ابن قتيبة يتباصر بالغريب، فأحببت أن أورد عليه ما لا يعرف.

قالا: فأنشدناها يا أبا معاذ، فأنشدهما:

بكّرا صاحبىّ قبل الهجير ... إنّ ذاك النجاح فى التبكير

حتى فرغ منها، فقال له خلف: لو قلت يا أبا معاذ مكان «إنّ ذاك النجاح»: «بكّرا فالنجاح» كان أحسن. فقال بشار: إنّما بنيتها أعرابية وحشية، فقلت: «إنّ ذاك النجاح» كما يقول الأعراب البدويون، ولو قلت: «بكّرا فالنجاح» كان هذا من كلام المولدين، ولا يشبه ذلك الكلام ولا يدخل فى معنى القصيدة. فقام خلف فقبّل بين عينيه.


(١) مفتاح العلوم ص ٨٢، وينظر الإيضاح ص ١٩.
(٢) هود ٣٧.
(٣) يوسف ٥٢.

<<  <   >  >>