للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والقسم الثاني: أن تعتبر في التشبيه هيئة تحصل من اقتران شيئين، وذلك الاقتران مما يوجد ويكون، ومثاله قوله (١): [من الوافر]

غدا والصبح تحت اللّيل باد ... كطرف أشهب ملقى الجلال

قصد الشبه الحاصل لك إذا نظرت إلى الصبح والليل جميعا، وتأمّلت حالهما معا، وأراد أن يأتي بنظير للهيئة المشاهدة من مقارنة أحدهما الآخر، ولم يرد أن يشبّه الصبح على الانفراد والليل على الانفراد، كما لم يقصد الأول أن يشبّه الدارة البيضاء من النرجس بمدهن الدّر، ثم يستأنف تشبيها للثانية بالعقيق، بل أراد أن يشبّه الهيئة الحاصلة من مجموع الشكلين، من غير أن يكون بين في البين. ثم إن هذا الاقتران الذي وضع عليه التشبيه مما يوجد ويعهد، إذ ليس وجود الفرس الأشهب قد ألقى الجلّ، من المعوز فيقال إنه مقصور على التقدير والوهم. فأما الأوّل فلا يتعدّى التوهم وتقدير أن يصنع ويعمل، فليس في العادة أن تتّخذ صورة أعلاها ياقوت على مقدار العلم، وتحت ذلك الياقوت قطع مطاولة من الزبرجد كهيئة الأرماح والقامات وكذلك لا يكون هاهنا مداهن تصنع من

الدرّ، ثم يوضع في أجوافها عقيق. وفي تشبيه الشّقيق زيادة معنى يباعد الصورة من الوجود، وهو شرطه أن تكون أعلاما منشورة، والنّشر في الياقوت وهو حجر، لا يتصوّر موجودا.

وينبغي أن تعلم أن الوجه في إلقاء الجلّ، أن يريد أنه أداره عن ظهره، وأزاله عن مكانه، حتى تكشّف أكثر جسده، لا أنه رمى به جملة حتى انفصل منه، لأنه إذا أراد ذلك، كان قد قصد إلى تشبيه الصّبح وحده من غير أن يفكّر في الليل، ولم يشاكل قوله في أول البيت: «والصبح تحت الليل باد».

وأمّا قوله (٢): [من الرجز]

إذا تفرّى البرق فيها خلته ... بطن شجاع في كثيب يضطرب


(١) البيت لابن المعتز في ديوانه ص ٣٨١، وهو من قصيدة «مأثور المقال» ومطلعها:
أعاذل قد أبحت اللهو مالي ... وهان عليّ مأثور المقال
دعيني، هكذا خلقي، دعيني ... فما لك حيلة فيه، ولا لي
الطرف: الفرس الكريم. الأبلق: ما فيه سواد وبياض. والجلال: جمع جلّ وهو لباس الفرس يلبسه ليصان به. وهو في الإيضاح: تحقيق د. عبد الحميد هنداوي ص ٢٢٧.
(٢) البيتان لابن المعتز في ديوانه ص ٤٤، وقبله:
جاءت بجفن أكحل وانصرفت ... مرهاء من إسبال دمع منسكب
وتفرّى البرق: تلألأ في السحاب، الشجاع: ضرب من الحيات دقيق لطيف، الأبلق: من الخيل ما فيه سواد وبياض.

<<  <   >  >>