للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتارة تبصره كأنّه ... أبلق مال جلّه حين وثب

فالأشبه فيه أن يكون القصد إلى تشبيه البرق وحده ببياض البرق، دون أن يدخل لون الجلّ في التشبيه، حتى كأنّه يريد أن يريك بياض البرق في سواد الغمام، بل ينبغي أن يكون الغرض بذكر الجلّ أن البرق يلمع بغتة، ويلوح للعين فجأة، فصار لذلك كبياض الأبلق إذا ظهر عند وثوبه وميل جلّه عنه.

وقد قال ابن بابك في هذا المعنى (١): [من السريع]

للبرق فيها لهب طائش ... كما يعرّى الفرس الأبلق

إلّا أن لقول ابن المعتزّ: «حين وثب»، من الفائدة ما لا يخفى.

وقد عني المتقدّمون أيضا بمثل هذا الاحتياط، ألا تراه قال (٢): [من الخفيف]

وترى البرق عارضا مستطيرا ... مرح البلق جلن في الأجلال

فجعلها تمرح وتجول، ليكون قد راعى ما به يتمّ الشّبه، وما هو معظم الغرض من تشبيهه، وهو هيئة حركته وكيفية لمعه.

ثم اعلم أن هذا القسم الثاني الذي يدخل في الوجود يتفاوت حاله، فمنه ما يتسع وجوده، ومنه ما يوجد في النادر، ويبين ذلك بالمقابلة، فأنت إذا قابلت قوله (٣):

[من الكامل]

وكأن أجرام النجوم لوامعا ... درر نثرن على بساط أزرق

بقول ذي الرّمة (٤): [من البسيط] كأنّها فضّة قد مسّها ذهب علمت فضل الثاني على الأول في سعة الوجود، وتقدّم الأول على الثاني في


(١) الضمير في «فيها» للسحابة.
(٢) البيت لكثير في ديوانه. والبلقة: مصدر الأبلق، ارتفاع التحجيل إلى الفخذين. الأجلال: جمع «جلّ» شراع السفينة.
(٣) راجع هامش ٢ ص ١٢٠.
(٤) البيت في ديوانه ص ١٢، وصدره:
كحلاء في برج، صفراء في نعج والبيت في الإيضاح: تحقيق د. هنداوي، وفيه «حوراء» بدلا من «كحلاء». والبرج في العين: أن يكون بياض العين محدقا بالسواد كله. النّعج: البياض الخالص.

<<  <   >  >>