للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

غربت بالمشرق الشم ... س فقل للعين تدمع

ما رأينا قطّ شمسا ... غربت من حيث تطلع (١)

فقوله: «غربت بالمشرق الشمس» على حدّ قول بشار: «أتتني الشمس زائرة»، في أنه خيّل إليك شمس السماء. وقوله بعد: «ما رأينا قطّ شمسا»، يفتّر أمر هذا التخييل، ويميل بك إلى أن تكون الشمس في قوله: «غربت بالمشرق الشمس»، غير شمس السماء، أعني غير مدّعى أنها هي، وذلك مما يضطرب عليه المعنى ويقلق، لأنه إذا لم يدّع

الشمس نفسها، لم يجب أن تكون جهة خراسان مشرقا لها، وإذا لم يجب ذلك، لم يحصل ما أراده من الغرابة في غروبها من حيث تطلع. وأظنّ الوجه فيه أن يتأوّل تنكيره للشمس في الثاني على قولهم: «خرجنا في شمس حارّة»، يريدون في يوم كان للشمس فيه حرارة وفضل توقّد، فيصير كأنه قال:

«ما عهدنا يوما غربت فيه الشمس من حيث تطلع، وهوت في جانب المشرق».

وكثيرا ما يتفق في كلام الناس ما يوهم ضربا من التنكير في الشمس كقولهم:

«شمس صيفية»، وكقوله (٢): [من البسيط] والله لا طلعت شمس ولا غربت ولا فرق بين هذا وبين قول المتنبي (٣): [من السريع]

لم ير قرن الشّمس في شرقه ... فشكّت الأنفس في غربه

ويجيء التنكير في القمر والهلال على هذا الحدّ، فمنه قول بشّار (٤): [من المديد]

أملي لا تأت في قمر ... بحديث واتّق الدّرعا

وتوقّ الطيب ليلتنا ... إنّه واش إذا سطعا


(١) البيتان لأبي الوليد أشجع بن عمرو السلمي يرثي هارون الرشيد. راجع ترجمة الشاعر وأخباره مع الرشيد في الأغاني ١٨/ ٢٥٧ وما قبلها، ويكنيه أبو فهر أبا الشيص ولم أتحقق من هذه الكنية، وأبو الشيص لقب شاعر آخر معاصر لبشار. راجع الأغاني ١٦/ ٤٣٢.
(٢) لم أهتد إليه.
(٣) البيت لأبي الطيب المتنبي في ديوانه ٢/ ٣٢٥ بشرح مصطفى سبيتي، وقرن الشمس أول إشراقها، والمعنى أن من يرى شروق الشمس يتبادر إلى ذهنه غروبها يقينا.
(٤) الدّرع ك (صرد) ثلاث ليال قيل: إنها الليالي البيض، وقيل: الثلاث اللاتي بعدها والواحدة درعة على القياس مثل ظلم، وقال البعض: الواحدة درعاء على غير القياس. راجع لسان العرب ٢/ ١٣٦٢.

<<  <   >  >>