للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فهذا بمعنى: لا تأت في وقت قد طلع فيه القمر. وهذا قول عمر بن أبي ربيعة (١): [من الطويل]

وغاب قمير كنت أرجو غيوبه ... وروّح رعيان ونوّم سمّر

ظاهره يوهم أنه كقولك: «جاءني رجل»، وليس كذلك في الحقيقة، لأن الاسم لا يكون نكرة حتى يعمّ شيئين وأكثر، وليس هنا شيئان يعمّهما اسم القمر.

وهكذا قول أبي العتاهية: [من الوافر]

تسرّ إذا نظرت إلى هلال ... ونقصك إذ نظرت إلى الهلال

ليس المنكّر غير المعرّف، على أنّ للهلال في هذا التنكير فضل تمكّن ليس للقمر، ألا تراه قد جمع في قوله تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ [البقرة:

١٨٩]، ولم يجمع القمر على هذا الحدّ.

ومن لطيف هذا التنكير قول البحتري: [من الطويل]

وبدرين أنضيناهما بعد ثالث ... أكلناه بالإيجاف حتى تمحّقا

ومما أتى مستكرها نابيا يتظلم منه المعنى وينكره، قول أبي تمام: [من الطويل]

قريب النّدى نائي المحلّ كأنّه ... هلال قريب النّور ناء منازله

سبب الاستكراه، وأنّ المعنى ينبو عنه: أنه يوهم بظاهره أنّ هاهنا أهلّة ليس لها هذا الحكم، أعني أنه ينأى مكانه ويدنو نوره. وذلك محال فالذي يستقيم عليه الكلام أن يؤتى به معرّفا على حدّه في بيت البحتري (٢): [من الكامل]

كالبدر أفرط في العلوّ وضوؤه ... للعصبة السّارين جدّ قريب

فإن قلت: أقطع وأستأنف فأقول: «كأن هلال» وأسكت، ثم أبتدئ وآخذ في


(١) البيت من قصيدة مشهورة أنشدها عمر بن أبي ربيعة لعبد الله بن عباس في المسجد الحرام فحفظها، وروّح رعيان: عادوا إلى بيوتهم في المراح، نوّم: نام والتشديد للمبالغة. راجع الأغاني ١/ ٨١، ٩٣.
(٢) قبله:
دان على أيدي العفاة وشاسع ... عن كل ندّ في الندى وضريب
راجع شرح عقود الجمان ٢/ ٦، والإشارات والتنبيهات للجرجاني ص ١٧٢، والإيضاح بتحقيقي ص ٢٠٣.

<<  <   >  >>