فقد عرفت قضيّة الأصنام وما عليه أصحابها من الافتتان بها والإعظام لها.
كذلك حكم الشعر فيما يصنعه من الصور، ويشكّله من البدع، ويوقعه في النفوس من المعاني التي يتوهّم بها الجماد الصامت في صورة الحيّ الناطق، والموات الأخرس في قضية الفصيح المعرب والمبيّن المميّز، والمعدوم المفقود في حكم الموجود المشاهد، كما قدّمت القول عليه في باب التمثيل، حتى يكسب الدنيّ رفعة، والغامض القدر نباهة. وعلى العكس يغضّ من شرف الشريف، ويطأ من قدر ذي العزّة المنيف، ويظلم الفضل ويتهضّمه، ويخدش وجه الجمال ويتخوّنه، ويعطي الشبهة سلطان الحجّة، ويردّ الحجّة إلى صيغة الشبهة، ويصنع من المادة الخسيسة بدعا تغلو في القيمة وتعلو، ويفعل من قلب الجواهر وتبديل الطبائع ما ترى به الكيمياء وقد صحّت، ودعوى الإكسير وقد وضحت، إلّا أنها روحانية تتلبّس بالأوهام والأفهام، دون الأجسام والأجرام، ولذلك قال (١): [من الطويل]
يري حكمة ما فيه وهو فكاهة ... ويقضي بما يقضي به وهو ظالم
وقد عرفت ما كان من أمر القبيلة الّذين كانوا يعيّرون بأنف الناقة، حتى قال الحطيئة:[من البسيط]
قوم هم الأنف والأذناب غيرهم، ... ومن يسوّي بأنف النّاقة الذّنبا
فنفى العار، وصحّح الافتخار، وجعل ما كان نقصا وشينا، فضلا وزينا، وما كان لقبا ونبزا يسوء السمع، شرفا وعزّا يرفع الطرف، وما ذاك إلا بحسن الانتزاع، ولطف القريحة الصّناع، والذّهن الناقد في دقائق الإحسان
والإبداع، كما كساهم الجمال من حي كانوا عروا منه، وأثبتهم في نصاب الفضل من حيث نفوا عنه، فلربّ
(١) البيت من قصيدة لأبي تمام يمدح فيها أحمد بن أبي دؤاد. راجع ديوانه ص ٢٦٩.