للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل فعل دلّ على معنى يفعله الإنسان في نفسه نحو: «قام» و «قعد». إذا قلت: «قام زيد»، فقد أثبتّ القيام فعلا له من حيث تقول: «فعل القيام» و «أمرته بأن يفعل القيام»، وأثبتّه أيضا وصفا له من حيث أن تلك الهيئة موجودة فيه، وهو في اكتسابه لها كالشخص المنتصب، والشجرة القائمة على ساقها التي توصف بالقيام، لا من حيث كانت فاعلة له، بل من حيث كان وصفا موجودا فيها.

وإذ قد عرفت هذا الأصل، فها هنا أصل آخر يدخل في غرضنا: وهو أن الأفعال على ضربين: «متعدّ» و «غير متعدّ»، فالمتعدّي على ضربين:

ضرب يتعدّى إلى شيء هو مفعول به، كقولك: «ضربت زيدا»، «زيدا» مفعول به، لأنك فعلت به الضرب ولم يفعله بنفسه.

وضرب يتعدّى إلى شيء هو مفعول على الإطلاق، وهو في الحقيقة «كفعل» وكلّ ما كان مثله في كونه عامّا غير

مشتقّ من معنى خاصّ «كصنع، وعمل، وأوجد، وأنشأ». ومعنى قولي: «من معنى خاصّ» أنه ليس «كضرب» الذي هو مشتقّ من «الضرب» أو «أعلم» الذي هو مأخوذ من العلم. وهكذا كل ما له مصدر، ذلك المصدر في حكم جنس من المعاني. فهذا الضّرب (١) إذا أسند إلى شيء كان المنصوب له مفعولا لذلك الشيء على الإطلاق، كقولك: «فعل زيد القيام»، فالقيام مفعول في نفسه وليس بمفعول به.

وأحقّ من ذلك أن تقول: «خلق الله الأناسيّ، وأنشأ العالم، وخلق الموت والحياة»، والمنصوب في هذا كله مفعول مطلق لا تقييد فيه، إذ من المحال أن يكون معنى: «خلق العالم» «فعل الخلق به»، كما تقول في «ضربت زيدا» «فعلت الضرب بزيد»، لأن «الخلق» من «خلق» «كالفعل» من «فعل»، فلو جاز أن يكون المخلوق كالمضروب، لجاز أن يكون المفعول في نفسه كذلك، حتى يكون معنى:

«فعل القيام» «فعل شيئا بالقيام»، وذلك من شنيع المحال.

وإذ قد عرفت هذا، فاعلم أن الإثبات في جميع هذا الضرب أعني فيما منصوبه مفعول، وليس مفعولا به يتعلق بنفس المفعول. فإذا قلت: «فعل زيد الضرب»، كنت أثبتّ الضرب فعلا لزيد، وكذلك تثبت «العالم» في قولك: «خلق الله العالم»، خلقا لله تعالى. ولا يصحّ في شيء من هذا الباب أن تثبت المفعول وصفا البتة، وتوهّم ذلك خطأ عظيم وجهل نعوذ بالله منه.


(١) يريد بهذا الضرب نحو فعل وصنع إلخ. (رشيد).

<<  <   >  >>