أثبتّ فعلا وقع على النّور من غير أن كان ثمّ فعل، ومن غير أن يكون النّور مفعولا؟
أو هو مما يتعوّذ بالله منه، وتقول: الفعل واقع على النّور حقيقة، وهو مفعول مجهول على الصّحة، إلا أن حقّ الفعل فيه أن يثبت لله تعالى، وقد تجوّز بإثباته للربيع؟ أفليس قد بان أن التجوّز هاهنا في إثبات الفعل للربيع لا في الفعل نفسه، فإن التجوّز في مسألة المتخلّص من الهلكة حيث قلت:«إنه خلق مرة ثانية» في الفعل نفسه، لا في إثباته؟ فلك كيف نظرت فرق بين المجاز في الإثبات، وبينه في المثبت.
وينبغي أن تعلم أن قولي:«في المثبت مجاز»، ليس مرادي أن فيه مجازا من حيث هو مثبت، ولكن المعنى أن المجاز في نفس الشيء الذي تناوله الإثبات نحو أنك أثبتّ الحياة صفة للأرض في قوله تعالى: يُحْيِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها [سورة الحديد: ١٧]، والمراد غيرها، فكان المجاز في نفس الحياة لا في إثباتها هذا، وإذا كان لا يتصوّر إثبات شيء لا لشيء، استحال أن يوصف المثبت من حيث هو مثبت بأنه مجاز أو حقيقة.
ومما ينتهي في البيان إلى الغاية أن يقال للسائل: هبك تغالطنا بأن مصدر «فعل» نقل أوّلا من موضعه في اللغة، ثم اشتقّ منه، فقل لنا ما نصنع بالأفعال المشتقّة من معان خاصّة، كنسج، وصاغ، ووشّى، ونقش؟ أتقول إذا قيل «نسج الربيع» و «صاغ الربيع» و «وشّى»: إن المجاز في مصادر هذه الأفعال التي هي النّسج والوشي والصّوغ، أم تعترف أنه في إثباتها فعلا للربيع؟ وكيف تقول:«إن في أنفسها مجازا»، وهي موجودة بحقيقتها؟ بل ماذا يغني عنك دعوى المجاز فيها، لو أمكنك، ولا يمكنك أن تقتصر عليها في كون الكلام مجازا- أعني لا يمكنك أن تقول:«إن الكلام مجاز من حيث لم يكن ائتلاف تلك الأنوار نسجا ووشيا»، وتدع حديث نسبتها إلى الربيع جانبا؟
هذا، وهاهنا مالا وجه لك لدعوى المجاز في مصدر الفعل منه كقولك:
«سرّني الخبر»، فإن السرور بحقيقته موجود، والكلام مع ذلك مجاز. وإذا كان كذلك، علمت ضرورة ليس المجاز إلّا في إثبات السرور فعلا للخبر، وإيهام أنه أثّر في حدوثه وحصوله. ويعلم كلّ عاقل أن المجاز لو كان من طريق اللغة، لجعل ما ليس بالسرور سرورا، فأمّا الحكم بأنه فعل للخبر، فلا يجري في وهم أنه يكون من اللغة بسبيل،