فإن قال:«النسج فعل معنى، وهو المضامّة بين أشياء، وكذلك الصّوغ فعل الصورة في الفضّة ونحوها، وإذا كان كذلك، قدّرت أن لفظ الصّوغ مجاز من حيث دلّ على الفعل والتأثير في الوجود، حقيقة من حيث دلّ على الصّورة، كما قدّرت أنت في «أحيا الله الأرض»، أنّ «أحيا» من حيث دلّ على معنى فعل حقيقة، ومن حيث دلّ على الحياة مجاز».
قيل: ليس لك أن تجيء إلى لفظ أمرين، فتفرّق دلالته وتجعله منقولا عن أصله في أحدهما دون الآخر. لو جاز هذا لجاز أن تقول في اللطم الذي هو ضرب باليد، أنه يجعل مجازا من حيث هو ضرب، وحقيقة من حيث هو باليد، وذلك محال- لأن كون الضرب باليد لا ينفصل عن الضرب، فكذلك كون الفعل فعلا للصورة لا ينفصل عن الصورة. وليس الأمر كذلك في قولنا:«أحيا الله الأرض»، لأن معنا هنا لفظين: أحدهما مشتقّ وهو «أحيا» - والآخر: مشتقّ منه وهو «الحياة»، فنحن نقدّر في المشتقّ أنه نقل عن معناه الأصلي في اللّغة إلى معنى آخر، ثم اشتقّ منه «أحيا» بعد هذا التقدير ومعه، وهو مثل أنّ لفظ اليد ينقل إلى النعمة، ثم يشتقّ منه «يديت»، فاعرفه.
ومما يجب أن تعلم في هذا الباب: أن الإضافة في الاسم كالإسناد في الفعل.
فكلّ حكم يجب في إضافة المصدر من حقيقة أو مجاز، فهو واجب في إسناد الفعل. فانظر الآن إلى قولك:«أعجبني وشي الربيع الرياض، وصوغه تبرها، وحوكه ديباجها»، هل تعلم لك سبيلا في هذه الإضافات إلى التعليق باللغة، وأخذ الحكم عليها منها، أم تعلم امتناع ذلك عليك؟
وكيف، والإضافة لا تكون حتى تستقرّ اللغة، ويستحيل أن يكون للغة حكم في الإضافة ورسم، حتى يعلم أنّ حقّ الاسم أن يضاف إلى هذا دون ذلك؟
وإذا عرفت ذلك في هذه المصادر التي هي «الصوغ» و «الوشي» و «الحوك» فضع مصدر فعل الذي- هو عمدتك في سؤالك، وأصل شبهتك- موضعها وقل:
«أما ترى إلى فعل الربيع لهذه المحاسن»، ثم تأمّل هل تجد فصلا بين إضافته وإضافة تلك؟ فإذا لم تجد الفصل البتة، فاعلم صحة قضيّتنا، وانفض يدك بمسألتك، ودع النّزاع عنك، وإلى الله تعالى الرغبة في التوفيق.