المستحقّ، فلا يتصوّر الجمع بين شيئين في وصف أو حكم من طريق التشبيه والتأويل، حتى يبدأ بالأصل في إثبات ذلك الوصف والحكم له. ألا تراك لا تقدر على أن تشبّه الرجل بالأسد في الشجاعة، ما لم تجعل كونها من أخصّ أوصاف الأسد وأغلبها عليه نصب عينيك؟ وكذلك لا يتصوّر أن يثبت المثبت الفعل للشيء على أنه سبب، ما لم ينظر إلى ما هو راسخ في العقل من أن لا فعل على الحقيقة إلا للقادر، لأنه لو كان نسب الفعل إلى هذا السبب نسبة مطلقة- لا يرجع فيها إلى الحكم القادر، والجمع بينهما من حيث تعلّق وجوده بهذا السبب من طريق العادة، كما يتعلق بالقادر من طريق الوجوب- لما اعترف بأنه سبب، ولادّعى أنه أصل بنفسه، مؤثّر في وجود الحادث كالقادر. وإن تجاهل متجاهل فقال بذلك- على ظهور الفضيحة وإسراعها إلى مدّعيه- كان الكلام عنده حقيقة،
ولم يكن من مسألتنا في شيء، ولحق بنحو قول الكفار: وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ [الجاثية:
٢٤]. وليس ذلك المقصود في مسألتنا، لأن الغرض هاهنا ما وضع فيه الحكم واضعه على طريق التأوّل، فاعرفه.
ومن أوضح ما يدلّ على أنّ إثبات الفعل للشيء على أنه سبب يتضمّن إثباته للمسبّب، من حيث لا يتصوّر دون تصوّره، أن تنظر إلى الأفعال المسندة إلى الأدوات والآلات، كقولك:«قطع السكّين» و «قتل السيف»، فإنك تعلم أنه لا يقع في النفس من هذا الإثبات صورة، ما لم تنظر إلى إثبات الفعل للمعمل الأداة والفاعل بها. فلو فرضت أن لا يكون هاهنا قاطع بالسكّين ومصرّف لها، أعياك أن تعقل من قولك:«قطع السكين» معنى بوجه من الوجوه. وهذا من الوضوح، بحيث لا يشكّ عاقل فيه.
وهذه الأفعال المسندة إلى من تقع تلك الأفعال بأمره، كقولك:«ضرب الأمير الدرهم» و «بنى السّور»، لا تقوم في نفسك صورة لإثبات الضّرب والبناء فعلا للأمير، بمعنى الأمر به، حتى تنظر إلى ثبوتهما للمباشر لهما على الحقيقة. والأمثلة في هذا المعنى كثيرة تتلقّاك من كل جهة، وتجدها أنّى شئت.
واعلم أنه لا يجوز الحكم على الجملة بأنها مجاز إلا بأحد أمرين:
فإمّا أنه يكون الشيء الذي أثبت له الفعل مما لا يدّعي أحد من المحقّين والمبطلين أن مما يصحّ أن يكون له تأثير في وجود المعنى الذي أثبت له، وذلك نحو قول الرجل:«محبّتك جاءت بي إليك»، وكقول عمرو بن العاص في ذكر الكلمات التي استحسنها:«هنّ مخرجاتي من الشأم»، فهذا ما لا يشتبه على أحد أنّه مجاز.