للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وإمّا أنه يكون قد علم من اعتقاد المتكلّم أنه لا يثبت الفعل إلا للقادر، وأنه ممن لا يعتقد الاعتقادات الفاسدة، كنحو ما قاله المشركون وظنّوه من ثبوت الهلاك فعلا للدهر، فإذا سمعنا نحو قوله (١): [من المتقارب]

أشاب الصغير وأفنى الكبي ... ر كرّ الغداة ومرّ العشي

وقول ذي الإصبع (٢): [من المنسرح]

أهلكنا الليل والنهار معا ... والدّهر يعدو مصمّما جذعا

كان طريق الحكم عليه بالمجاز، أن تعلم اعتقادهم التوحيد، إما بمعرفة أحوالهم السابقة، أو بأن تجد في كلامهم من بعد إطلاق هذا النحو، ما يكشف عن قصد المجاز فيه، كنحو ما صنع أبو النجم، فإنه قال أوّلا (٣): [من الرجز]

قد أصبحت أمّ الخيار تدّعي ... عليّ ذنبا كلّه لم أصنع

من أن رأت رأسي كرأس الأصلع ... ميّز عنه قنزعا عن قنزع

جذب الليالي: أبطئي أو أسرعي فهذا على المجاز وجعل الفعل للّيالي ومرورها، إلّا أنه خفيّ غير بادي الصفحة، ثم

فسّر وكشف عن وجه التأوّل وأفاد أنه بنى أول كلامه على التخيّل فقال:


(١) البيت للصلتان العبدي وهو في الكامل بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي ٣/ ٢٥، والبيت سبق تخريجه فارجع له إن شئت.
(٢) البيت في ديوانه، وفي الأغاني ٣/ ٩٣، وجاء الأول لأربعة أبيات قالها بعد ما كبر وخرف فهجره أصهاره ولاموه فقال:
أهلكنا الليل والنهار معا ... والدهر يعدو مصمّما جذعا
فليس فيما أصابني عجب ... إن كنت شيبا أنكرت أو صلعا
وكنت إذ رونق الشباب به ... ماء شبابي تخاله شرعا
والحيّ فيه الفتاة ترمقني ... حتى مضى شأو ذاك فانقشعا
والجذع من الرجال: الشاب الحدث، وانقشع: انجلى عنه.
(٣) الأبيات لأبي النجم وأورده محمد بن علي الجرجاني في الإشارات ص ٢٥، وعزاه لأبي النجم، وبدر الدين بن مالك في المصباح ص ١٤٤، والطيبي في التبيان ١/ ٣٢١ بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي، وهو في الإيضاح ص ٢٨، والمفتاح ص ٥٠٤، بتحقيق د. عبد الحميد هنداوي، ودلائل الإعجاز ص ٢٧٨. والبيت الثاني معروف فيه روايتان إحداهما: «طيّر عنها قنزعا» والأخرى «سيّر عنه». والأصلع: من لا شعر له. والقنزع: ما ارتفع من الشعر وطال، وقيل: هو القليل من الشعر إذا كان في وسط الرأس خاصة. وقيل: هو الشّعر حوالي الرأس والجمع قنازع.

<<  <   >  >>