للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما قول الأعرابي: «كيف الطلا وأمّه؟» فمن جنس «المفيد» أيضا، لأنه أشار إلى شيء من تشبيه المولود بولد الظبي، ألا تراه قال ذاك بعد أن انصرف عن السخط إلى الرضى، وبعد أن سكن عنه فورة الجوع الذي دعاه إلى أن قال: «ما أصنع به؟

آكله أم أشربه» حتى قالت المرأة «غرثان فاربكوا له» (١).

وأمّا قوله: [من البسيط]

إذا أشرف الدّيك يدعو بعض أسرته ... عند الصّباح، وهم قوم معازيل (٢)

فاستعارة «القوم» هاهنا، وإن كانت في الظاهر لا تفيد أكثر من معنى الجمع، فإنها مفيدة من حيث أراد أن يعطيها شبها مما يعقل. على أن هذا إذا حقّقنا في غير ما نحن فيه وبصدده في هذا الفصل، وذلك أنه لم يجتلب الاسم المخصوص بالآدميين حتى قدّم تنزيلها منزلتهم فقال: «هم»، فأتى بضمير من يعقل. وإذا كان الأمر كذلك، كان «القوم» جاريا مجرى الحقيقة. ونظيره أنك تقول: «أين الأسود الضّارية»؟ وأنت تعني قوما من الشجعان، فيلزم في الصفة حكم ما لا يعقل، فتقول:

«الضارية»، ولا تقول «الضارون» البتة، لأنك وضعت كلامك على أنك كأنك تحدّث عن الأسود في الحقيقة.

وعلى هذه الطريقة ينبغي أن يجرى بيت المتنبي: [من الكامل]

زحل، على أنّ الكواكب قومه ... لو كان منك لكان أكرم معشرا (٣)


(١) أصل المثل. أن ابن لسان الحمرة دخل على أهله وهو جائع عطشان فبشروه بمولود وأتوه به، فقال ما أدري أآكله أم أشربه؟ فقالت
امرأته (غرثان فاربكوا له) من الربيكة وهو شيء من حساء وأقط وفي رواية (فابكلوا له) من البكيلة وهي أقط يلت بسمن فلما طعم وشرب قال: (كيف الطلا وأمه) فأرسلها مثلا يضرب لمن ذهب همه وتفرغ لغيره وضبط شيخنا «الحمرة» (بضم الحاء وتشديد الميم المفتوحة) قال واسمه عبد الله بن حسنين أو ورقاء بن الأشعر. (رشيد).
(٢) البيت لعبدة بن الطبيب حين كان في جيش النعمان بن مقرّن وهو يحارب الفرس. وقبله:
وقد غدوت وقرن الشمس منفتق ... ودونه من سواد الليل تجليل
المعازيل: الذين لا سلاح معهم. جمع معزال. [لسان العرب- مادة: عزل]. والمعزال: الذي ينزل ناحية من السّفر ينزل وحده، وهو ذم عند العرب بهذا المعنى، والمعزال: الراعي المنفرد، قال الأعشى:
تخرج الشيخ عن بنيه وتلوي ... بلبون المعزابة المعزال
وهذا المعنى ليس بذم عندهم لأن هذا من فعل الشجعان وذوي البأس والنجدة من الرجال.
(٣) البيت في ديوانه. والمعني: إن زحل شيخ النجوم ولو كان من عشيرتك لكان أكرم معشرا منه الآن، والنجوم قومه، وذلك أن قومك أشرف من النجوم فلو كان من قومك كان أشرف مما هو فيه مع أن معشره النجوم. التبيان: ١/ ٣٨٣.

<<  <   >  >>