ومن هذا الباب قولهم:«أخذ القوس باريها»، وذلك أن المعنى على وقوع الأخذ في موقعه ووجوده من أهله، فلست تشبّهه من حيث الأخذ نفسه وجنسه، ولكن من حيث الحكم الحاصل له بوقوعه من باري القوس على القوس.
وكذلك قولهم:«ما زال يفتل منه في الذّروة والغارب» الشبه مأخوذ ما بين الفتل وما تعدّى إليه من الذّروة والغارب، ولو أفردته لم تجد شبها بينه وبين ما يضرب هذا الكلام مثلا له، لأنه يضرب في الفعل أو القول يصرف به الإنسان عن الامتناع إلى الإجابة، وعن الإباء عليك مرادك، إلى موافقتك والمصير إلى ما تريد منه.
وهذا لا يوجد في الفتل من حيث هو فتل، وإنما يوجد في الفتل إذا وقع في الشّعر من ذروة البعير وغاربه (١).
واعلم أن هذا الشبه حكمه واحد، سواء أخذته ما بين الفعل والمفعول الصريح، أو ما يجري مجرى المفعول.
فالمفعول كالقوس في قولك:«أخذ القوس باريها».
وما يجري مجرى المفعول، الجارّ مع المجرور، كقولك:«الرّقم في الماء» و «هو كمن يخطّ في الماء».
وكذلك الحال، كقولهم:«كالحادي وليس له بعير»، فقولك:«وليس له بعير»، جملة من الحال، وقد احتاج الشبه إليها، لأنه مأخوذ ما بين المعنى الذي هو «الحدو»، وبين هذه الحال، كما كان مأخوذا بين الرقم والماء، وما بين الفتل والذروة والغارب.
وقد تجد بك حاجة إلى مفعول وإلى الجارّ مع المجرور كقولك:«وهل يجمع السيفان في غمد»، و «أنت كمن يجمع السيفين في غمد»، ألا ترى أن الجمع فيه لا يغني بتعدّيه إلى السيفين، حتى يشترط كونه جمعا لهما في الغمد؟ فمجموع ذلك كله يحصّل الغرض.
وهكذا نحو قول العامّة:«هو كثير الجور على إلفه»، وقولهم: «كمبتغي
(١) في حديث الزبير: «سأل عائشة الخروج إلى البصرة فأبت عليه فما زال يفتل في الذروة والغارب حتى أجابته» جعل وبر ذروة البعير وغاربه مثلا لإزالتها عن رأيها كما يفعل بالجمل النفور إذا أريد تأنيسه وإزالة نفاره. والذروة أعلى السنام من البعير، والغارب: الكاهل من (ذي) الخف وهو ما بين السنام والعنق اه. (رشيد).