للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الصّيد في عرّيسة الأسد»، لأن «الصيد» مفعول و «في عرّيسة» جارّ مع المجرور.

فإذا ثبت هذا، ظهر منه أنه لا بدّ لك في هذا الضرب من الشّبه من جملة صريحة أو حكم الجملة. فالجملة الصريحة قولك: «أخذ القوس باريها» وحكم الجملة أن تقول: «هذا منك كالرّقم في الماء»، و «كالقابض على الماء»، فتأتي باسم الفاعل. وذاك أنّ المصدر واسم الفاعل ليسا بجملتين صريحا ولكن حكم الجملة قائم فيهما، وهو أنك أعملتهما عمل الفعل. ألا ترى أنك عدّيتهما على حسب ما تعدّى الفعل؟ وخصائص هذا النوع من «التمثيل» أكثر من أن تضبط، وقد وقفتك على الطريقة.

فهذا أحد الوجوه التي يكون الشّبه العقلي بها حاصلا لك من جملة من الكلام، وأظنّه من أقوى الأسباب والعلل فيه.

وعلى الجملة، فينبغي أن تعلم أن المثل الحقيقي، والتشبيه الذي هو الأولى بأن يسمّى «تمثيلا» لبعده عن التشبيه الظاهر الصريح، ما تجده لا يحصل لك إلا من جملة من الكلام أو جملتين أو أكثر، حتى إنّ التشبيه كلما كان أوغل في كونه عقليّا محضا، كانت الحاجة إلى الجملة أكثر.

ألا ترى إلى نحو قوله عزّ وجلّ: إِنَّما مَثَلُ الْحَياةِ الدُّنْيا كَماءٍ أَنْزَلْناهُ مِنَ السَّماءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَباتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعامُ حَتَّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلًا أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [يونس: ٢٤]، كيف كثرت الجمل فيه؟ حتى إنك ترى في هذه الآية عشر جمل إذا فصّلت. وهي وإن كان قد دخل بعضها في بعض حتى كأنها جملة واحدة، فإن ذلك لا يمنع من أن تكون صور الجمل معنا حاصلة تشير إليها واحدة واحدة. ثم إنّ الشبه منتزع من مجموعها، من غير أن يمكن فصل بعضها عن بعض، وإفراد شطر من شطر، حتى إنك لو حذفت منها جملة واحدة من أيّ موضع كان، أخلّ ذلك بالمغزى من التشبيه.

ولا ينبغي أن تعدّ الجمل في هذا النحو بعدّ التشبيهات التي يضمّ بعضها إلى بعض، والأغراض الكثيرة التي كل واحد منها منفرد بنفسه، بل بعدّ جمل تنسق ثانية منها على أوّلة، وثالثة على ثانية، وهكذا. فإنّ ما كان من هذا الجنس لم تترتّب فيه الجمل ترتيبا مخصوصا حتى يجب أن تكون هذه سابقة وتلك تالية والثالثة بعدهما. ألا ترى أنك إذا قلت: «زيد كالأسد بأسا، والبحر جودا، والسيف مضاء، والبدر بهاء»، لم يجب عليك أن تحفظ في هذه التشبيهات نظاما مخصوصا؟ بل لو

<<  <   >  >>