ووجه الأول: ما تقدم من الرواية المشهورة, وقول النبي صلى اله عليه وسلم: «هل تجد رقبة تعتقها؟». قال: لا. قال: «هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟». قال: لا. قال: «هل تجد إطعام ستين مسكيناً؟». قال: لا.
وعامة أصحاب الزهري يروونه هكذا.
وأما الرواية الأخرى؛ فلم يذكر فيها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم, وإنما ذكر أنه أمره بهذا أو بهذا, وهذا مجمل يحتمل أنه أمره به على وجه الترتيب, ويحتمل أنه أمره به على وجه التخيير, والرواية الأخرى ذكر فيها لفظ النبي صلى الله عليه وسلم, وهو دليل ظاهر في الترتيب.
ولهذا أنكر أحمد على من فهم التخيير, فقال في رواية ابن القاسم: مالك يقول في حديثه: إنه خيَّره في الكفارة, وليس أحد يقول في الحديث: إنه خيره, إنما قال له شيئاً بعد شيء, ومن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: أعتق أو صم أو تصدق؛ فرواه بالمعنى من حيث الجملة؛ فإن الرجل قد يقول: افعل كذا أو كذا, ومعناه الترتيب.
وأما حديث عائشة: فإنها حكت ما استقر عليه الحال, وهو أمره بالصدقة؛ فإنه كان عند العجز عن العتق والصيام, ولهذا لم يذكر العتق والإِطعام.
ثم هي قضية في عين, فذلك المأمور بالصدقة إن كان هو غير الذي في حديث أبي هريرة؛ فربما علم النبي صلى الله عليه وسلم من حاله العجز عن العتق والإِطعام, ولهذا لم يذكرهما له, ولا ريب في أنهما يُذكران للمستفتي كما في حديث أبي هريرة.
ثم هي أكثر رواة وأشد استقصاء وأحوط وأشبه بالقياس.
فإن هذه الكفارة لم تجب في الشرع إلا على وجه الترتيب, ولأنها إذا