ثم إن الله تعالى أمر بالإِتمام مطلقاً, فدخل فيه كل منشئ للحج والعمرة, بخلاف الآية التي فيها إتمام الصيام؛ فإنها تفارق هذه من وجهين:
أحدهما: أنه قال في أولها: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ. . .} , واللام هنا لتعريف الصيام المعهود الذي تقدم ذكره, وهو صيام رمضان, ثم قال:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} , فعاد الكلام إلى الصيام المتقدم الذي كان الأكل والنكاح في ليلته محظوراً بعد النوم, ثم أبيح, وهذا صفة صيام الواجب.
نعم؛ سائر الصيام لا يتم إلا بذلك على سبيل التبع والإِلحاق.
الثاني: أن قوله: {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}: أمر بأن يكون إتمام الصيام إلى الليل, وبيان لكون الصوم لا يتم إلا بالإِمساك إلى الليل, فتفيد الآية أن من أفطر قبل الليل؛ لم يتم الصيام, وهذا حكم شامل [يجمع] أنواع الصوم, ثم ما كان واجباً كان الإِتمام فيه إلى الليل واجباً, وما كان مستحبّاً كان مستحبّاً, وما كان مكروهاً كان مكروهاً, وما كان محرماً كان محرماً؛ لقوله تعالى:{وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}[المائدة: ٤٩] , وهو أمر بأن يكون حكمه بما أنزل اتلله لا أمر بنفس الحكم؛ بخلاف آية الحج والعمرة؛ فإنه أمر بإتمامهما, فيكون نفس الإِتمام مأموراً به, وهنا الإِتمام إلى الليل هو المأمور به, وفرق بأن يكون الأمر بنفس الفعل أو بصفة في الفعل؛ فإنه لو قال:[صل] بوضوء, أو: صلِّ مستقبل القبلة, ونحو ذلك؛ كان أمراً بفعل هذا الشرط في الصلاة لا أمراً بنفس الصلاة.