ثم صار هذا في لسان الشرع عند الإِطلاق مختصّاً بالعكوف لله وعليه في بيته:
كما قال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: ١٨٧].
وقال تعالى: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية ١٢٥].
وقال في موضع آخر: {لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ} [الحج: آية ٢٦].
ولم يذكر العكوف لمن, وعلى مَن؛ لأن عكوف المؤمن لا يكون إلا لله.
ويستعمل متعدياً أيضاً, فيقال: عكفه يعكفُه ويعكِفه عكُفاً: إذا حبسه ووقفه؛ كما قال تعالى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: آية ٢٥] , ويقال: ما عكفك عن كذا؟ أي: ما حبسك عنه, وعكف الجوهر في النظم.
والتاء في الاعتكاف تفيد ضرباً من المعالجة والمزاولة؛ لأن فيه كلفة؛ كما يقال: لست وألست, وعمل واعتمل, وقطع واقتطع.
وربما حسب بعضهم أنه مطاوع عكفه فاعتكف, كما يقال: انعكف عليه, وهو ضعيف.
ولما كان المرء لا يلزم ويواظب إلا من يحبه ويعظمه؛ كما كان المشركون يعكفون على أصناهم وتماثيلهم, ويعكف أهل الشهوات على شهواتهم؛ شرع الله سبحانه لأهل الإِيمان أن يعكفوا على ربهم سبحانه وتعالى.
وأخص البقاع بذكر اسمه سبحانه والعبادة له بيوته المبنية لذلك؛ فلذلك كان الاعتكاف لزوم المسجد لطاعة الله فيه.