والثانية: لا يستحب له ذلك. وهذا هو المشهور عنه, وعليه جمهور أصحابنا؛ مثل: أبي بكر, والقاضي, وغيرهما.
قال القاضي والشريف وغيرهما: يكره ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتكف؛ دخل معتكفه, واشتغل بنفسه, ولم يجالس أصحابه, ولم يحادثهم كما كان يفعل قبل الاعتكاف, ولو كان ذلك أفضل؛ لفعله, ولأن الاعتكاف هو من جنس الصلاة والطواف, ولهذا قرن الله تعالى بينهما في قوله: {طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة: آية ١٢٥].
ولما كان في الصلاة والطواف شغل عن كلام الناس, وكذلك الاعتكاف, وذلك أنها عبادة شرع لها المسجد, فلا يستحب الإِقراء حين التلبس بها كالصلوات والطواف.
قال القاضي: لا خلاف أنه يكره أن يهدي القرآن وهو يصلي أو يطوف, كذلك الاعتكاف, ولأن العكوف على الشيء هو الإِقبال عليه على وجه المواظبة, ولا يحصل ذلك للعاكف إلا بالتبتل إلى الله سبحانه وترك الاشتغال بشيء آخر.
وأما كون النفع المتعدي أفضل؛ فعنه أجوبة:
أحدها: أنه لا يلزم من كون الشيء أفضل أن يكون مشروعاً في كل عبادة, بل وضع الفاضل في غير موضعه يجعله مفضولاً, وبالعكس.
ولهذا؛ قراءة القرآن أفضل من التسبيح, وهي مكروهة في الركوع والسجود, ولهذا لا يشرع هذا في الصلاة والطواف, وإن كانا أفضل من الصلاة والطواف النافلتين.
الثاني: أن كونهما أفضل يقتضي الاشتغال بهما عن الاعتكاف.