قلت: بل كان الأولى لك أن لا تتكلم في الحديث، فضلا عن أن تحكم بالتحسين والتضعيف فإنك لا تحسن فهمه ولا فهم كلام أهله، فالحافظ ابن حجر ما قال عن الحديث ضعيف جدا لا في تخريج أحاديث الرافعى، ولا في تخريج أحاديث الهداية، بل قال في كلا الكتابين إسناده ضعيف، ولم يزد على ذلك ولا يتصور أن يزيد حرفا، لأن الحديث إنما علته كونه من رواية ابن لهيعة، وهو إمام حافظ وحاله معروف، وكثير من الحفاظ يحسِّن حديثه، والشارح نفسه نقل ذلك في كثير من الأحاديث، ولكنه لا يعرف كون علة الحديث هو ابن لهيعة، فإذا كان حديثه قد يحكم بحسنه على انفراده، فكيف إذا وردت له شواهد تقويه، وهذا قد ورد له شاهد موصول من حديث ابن عمر، وقد سبق قريبًا بلفظ:"كان إذا دخل المسجد يوم الجمعة. . . " الحديث، وآخران مرسلان عن الشعبى وعطاء.
قال ابن أبي شيبة في مصنفه:
ثنا أبو أسامة ثنا مجالد عن الشعبى قال:"كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس بوجهه، وقال: السلام عليكم، وكان أبو بكر وعمر وعثمان يفعلونه".
وقال عبد الرزاق في مصنفه: أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال: "كان النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل النامى بوجهه، فقال: السلام عليكم"، وهذان مرسلان صحيحان، وقد سبق في حديث ابن عمر "إن ذلك كان فعل ابن عباس وابن الزبير ايضا، وقد قال الإمام الشافعى: بلغنا عن سلمة بن الأكوع أنه قال: "خطبنا رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- خطبتين وجلس جلستين، وحكى الذي حدثنى قال: استوى رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- على الدرجة التي تلى المستراح قائما، ثم سلم ثم جلس على المستراح حتى فرغ المؤذن من الأذان ثم قام