للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقلوب الخلق يُصَرِّفها كيف يشاء، فالمُوَفَّق من بَدَا عمله بالسَّعادة وخُتِمَ بها، والمَخْذُول عكسه، وكذا من بدا بالخَيْر وخُتِمَ بالشَّر لا عكسه. وأهل الطريق في كُل حالهم يخافون سوء الخاتِمَة -نجانا الله منها- (١).

وتصرُّف الله في خلقهِ ظاهِرًا: إمّا بِخرْقِ العادات كالمُعْجِزة، وإِمَّا بِنَصبِ الأدلة والأمارة كالأحكام التَّكليفية؛ أو باطنًا: إما بتقدير الأسباب نحو: {وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ} [الأنفال: ٤٢] وشِبهه.

أو بِخَلق الدَّواعي والصَّوارف نحو: {كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ} [الأنعام: ١٠٨]، {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ} [الأنعام: ١١٠]، {ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)} [التوبة: ١٢٧]، "يا مُصَرِّفَ القُلوبِ صَرِّفْ قلوبَنَا على طَاعَتِكَ" (٢).

وفي الحديث إشارةٌ إلى تعاطي الأسباب للسَّعادة والشَّقاوة، وبها يظهر ما جُبِلَ عليه مِن الخير والشَّر: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء: ١٦٥]، ثمَّ لا يَنْبَغي له مع ذلك أن يعجب بها خوف احتِبَاطها، ومن لُطْفِ الله تعالى أنَّ انقلابَ الناس مِنَ الخَيْر إلى الشَّر نَادِرٌ، والكثيرُ عكسه "إنَّ رحمَتي سَبَقَت غَضبِي" (٣).

خاتِمَة: الكافر والعاصي يختلفان في التَّخليد وغيره، فالكافر مخلدٌ في النَّار أبدًا، والعاصي المُوَحِّدُ لا يُخَلدُ، وأَمرُهُ في التَّعذيب إلى رَبِّه.


(١) قال الإمام ابن القيم: "ولقدْ قَطَعَ خوفُ الخَاتِمَة ظُهورَ المتَّقين". "الجواب الكافي" (١٠٤).
(٢) روه مسلم (٤/ ٢٠٤٥ رقم ٢٦٥٤) من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -.
وهذه الفائدة قارنها بـ "التَّعيين" (٨٧، ٩٠).
(٣) رواه البخاري (٩/ ١٢٥ رقم ٧٤٢٢، ٧٤٥٣، ٧٥٥٣، ٧٥٥٤)، ومسلم (٤/ ٢١٠٧ رقم ٢٧٥١) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>