الحمد لله الذي شَرَحَ صُدُورَ أَهْلِ الإسلام للسُّنَّةِ فانْقَادَتْ لاتِّبَاعِهَا وارْتَاحَتْ لِسَمَاعِها، وأَمَاتَ نُفُوسَ أَهْلِ الطُّغيان بِالبِدْعَةِ بَعْدَ أنْ تَمَادَتْ في نِزَاعِهَا فَغَالَتْ في ابتداعِها، وأشهد أن لا إله إلَّا الله وحده لا شريك له، العالم بانقياد الأفئِدَةِ وامْتِنَاعِهَا، المُطَّلِعُ على ضمائر القلوب في حالَتَيْ افتِرَاقِها واجتماعِها.
وأشهدُ أن محمدًا عبده ورسوله، الذي انخفضت بحقِّهِ كلمة الباطل بعد ارتفاعها، واتَّصلت بإرساله أنوار الهدى وظهرت حجتها بعد انقطاعها، صلى الله عليه وسلم ما دامت السَّماءُ والأرض هذه في سُمُوِّها وهذه في اتساعها، وعلى آله وصحبه الذين كسروا جيوش المردة وفتحوا حصون قلاعها، وهجروا في محبة داعيهم إلى الله الأوطار والأوطان ولم يعاودوها بعد ودَاعِها، وحفظوا على أتباعهم أقواله وأفعاله وأحواله حتى أَمِنت به السنن الشريفة مِن ضَياعها (١)، أما بعد:
"فإن أَوْلى مَا صُرِفَتْ فيه نَفَائِسُ الأيام، وأغلى ما خُصَّ بمزيد الاهتمام، الاشتغالُ بالعلوم الشَّرْعية المتلقاة من خير البريَّة، ولا يرتابُ عاقِلٌ في أَنَّ مَدَارَها على كتابِ الله المُقْتَفَى، وسنة نبيه المصطفى، وأن باقي العلوم إِمَّا آلاتٌ لِفَهْمِهَا وهي الضَّالَّةُ المطلوبة، أو أجنبية عنها وهي الضارة المغلوبة.
(١) مقدمة الحافظ ابن حجر العسقلاني في "هدي الساري" (٥).