للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقِصَّةُ بريرةَ: "هوَ عليْها صَدَقَةٌ، ولَنَا هَدِيَّةٌ" (١) مِنْ بابِ التَّشْرِيع (٢).

وقوله: "ومَن وَقَعَ في الشُّبهات وقعَ في الحَرام": أي: يُصادفه وإن لم يتعمدهُ، أو بتمرينه على الشبهات يقع فيه، فإن المعاصي بريد الكفر -أي: رسوله- فيَنْدَرِجُ مِن دَرَجَةٍ إلى أُخرى بالتَّساهُلِ والتَّسمُّحِ، ومنه: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} [البقرة: ١٨٧]، نَهى عن المُقَارَبَةِ حَذَرًا مِنَ المُواقعة، وقليلُ الشُّربِ يَدْعُو لِكَثِيرهِ، والخلوة بالأجنبيَّةِ تَدْعُو إلى الفُّجورِ، والقُبلَة للصائم -إذا حرَّكت شهوته- تدعو للوطء، ومنهُ لعنُ السَّارق يَسْرِقُ البَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ، أي: فيتدرَّجُ إلى ما يقطعُ يده (٣)، ووطءُ الزَّوجةِ والأَمَةِ فيما بين الإِلْيَتَيْن بدون الإيلاج مما يجن (٤) فيه، لكن صرَّحُوا بجَوَازِهِ، وأقلُّ أحوالهِ الكراهةُ.

و"الحِمَى" المَمْنُوع يعني المحمي، فالمَصْدَر فيه واقع موقع اسم المفعول.


(١) رواه البخاري (٣/ ١٥٥ رقم ٢٥٧٨)، ومسلم (٢/ ٧٥٥ رقم ١٠٧٥) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) لأنه قد اعتُرِضَ بها بأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يتوَرَّع عن اللحم الذي أُهْدِيَ لبريرة والشُّبهة قائمة في كونه لحم صدقة؟ وأجيب بجوابين:
الأول: مَا ذَكَرَهُ المؤلف أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مُشَرِّعٌ فهو تارةً يترُكُ الشَّيءَ تَوَرُّعًا لئلَّا ينهَمِكَ الناسُ في الشُّبهات.
والثاني: تارةً يفعلُ الشيء توسيعًا لأُمَّتِهِ. انظر: "التعيين" (٩٩ - ١٠٠).
(٣) لأنه لا يقطع في أقل من ربع دينار، وقول المؤلف في تأويل الحديث: "لعنَ اللهُ السارق يسرق البيضة فتقطع يده" [رواه البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم ١٦٨٧] في أن المراد: أنَّ السَّارق يتدرَّجُ بعد ذلك في السرقة حتى يسرق ما تقطع يده به وهو أكثر من البيضة هذا قاله كثير مِن أهل العلم، وقيل: المراد بالبيضة هنا بيضة الحديد، وقيل: المراد التنبيه على عظيم ما خسر وهي يده في مقابلة حقير مِن المال وهو ربع دينار فإنه يشارك البيضة في الحقارة. انظر: "المفهم" (٥/ ٧٣)، و"شرح صحيح مسلم" للنووي (١١/ ١٩٦).
(٤) جن: أي استتر بين الإليتين ... إلخ. انظر: "القاموس" (٤/ ١٩٦)، و"تاج العروس" (٣٤/ ٣٦٦ - ٣٦٧).

<<  <   >  >>