للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و"القلب": عضوٌ باطِنٌ في الجسدِ، عليه مَدَارُ حالِ الإنسان، وهو عضو صغيرُ الجِرْمِ، ولذلِكَ سمَّاهُ مُضْغَةً ولَكِنَّه عظيم الجُرْمِ، وهو أَشْرَفُ أَعْضَائِهِ؛ لِسُرْعَةِ الخَوَاطِرِ فيه، وتَرَدُّدِهَا عليه، وتقلّبه:

ومَا سُمِّي الإنسانُ إلَّا لِنَسْيِهِ ... وَلَا القلبُ إلَّا أَنَّهُ يَتَقَلَّبُ

وقد عبَّر عنه بالعقل نفسه، قال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ} [ق: ٣٧] أي: عقلٌ، وقال تعالى: {فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا} [الحج: ٤٦].

وقوله: "ألا وإنَّ" هو افتتاحٌ لِفَهْمِ الكَلام، نحو: {أَلَا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ} [هود: ٨]، {أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِنْ لِقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُحِيطٌ} [فصلت: ٥٤].

وتُكْسر "إنَّ" بعدَ هذه، أعني "أَلا" الاستفتاحية لا غير، نحو: {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (١) [المجادلة: ٢٢]، {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ} [البقرة: ١٢].

"أَلا إنَّ في الجَسَدِ مُضْغَةً ... " إلى آخِره، معناه: إنَّ صَلاحَ الجَسَدِ -وهو البَدَنُ- تابعٌ لِصَلاحِ القلب، وفسادَهُ تابعٌ لِفَسَادهِ؛ لأنَّهُ مبدأُ الحَرَكات البَدَنِيَّة والإراداتِ النَّفسانية، فإن صَدَرت عنه إرادة صالِحة تحرك الجَسَدُ حركةً صالِحَةً وكذا الفاسِدة.

وبالجُمْلَة فالقلبُ كالمَلِكِ، والجَسَدُ وأعضاؤُهُ كالرَّعِيَّةِ، ولا شكَّ أنَّ الرَّعيَّة تصلُحُ بِصَلاح المَلِك، وتَفْسُدُ بِفَسَاده، وأيضًا القلبُ كالعَيْن، والجَسَد كالمَزْرَعةِ إنْ عَذُبَ ماءُ العين عذُبَ الزَّرعُ، أو مَلُحَ مَلُحَ، -وأيضًا- القلبُ كالأرض وحركات الجسد كالنباب: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ


(١) في الأصل: "ألا إنهم هم المفلحون"!

<<  <   >  >>