للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وطِبُّ الغَضَبِ المذمومِ: صَحَّ في الصحيح أن الاستعاذةَ مِنَ الشيطان الرجيم تُذْهِب ما يجِدُهُ منه فينبغي استعماله، والوضوء أيضًا، والانتقال من مكانه، واستحضار ما جاء في فضل كظم الغيظ.

قال الثوري والفضيل بن عياض وغيرهما جمن: "أفضَلُ الأعمالِ: الحِلمُ عندَ الغَضبِ، والصَّبرُ عِندَ الطَّمَعِ".

ثانيها: حقيقةُ الغضبِ: فَوَرَانُ دَمِ القلبِ وغليانهُ لإرادة الانتقام، وفي الحديث: "إِنه جَمْرَةٌ تَتَوَقَّدُ في قَلْبِ ابن آدم، ألا تَرَوْنَ إلى انْتِفاخ أودَاجِهِ، واحمِرارِ عيْنَيهِ" (١).

وأمَّا غَضَبُ الجَليل فهو: إرادةُ الانتقام مِنَ العبيد، أعاذنا الله مِنْهُ (٢).

ثالثها: هذا الحديثُ تَضَمَّنَ دَفع أكبر شُرورِ الإنسان؛ لأنَّ الشَّخصَ في حالِ حياتِهِ بَيْنَ لذَّةٍ وأَلمٍ، فاللَّذةُ سببُها ثَوَرَانُ الشَّهوةِ أَكْلًا وشُربًا وجِماعًا ونحو ذلك، والألَمُ سببه ثوران الغضب، فإذا اجتنبهُ انْدَفعَ عنه نِصْفُ الشرِّ بل أكثرهُ،


(١) رواه أحمد (١٧/ ٢٢٧ رقم ١١١٤٣)، والترمذي (٤/ ٥٨ رقم ٢١٩١)، والحميدي (٢/ ٣٣١ رقم ٧٥٢)، والطيالسي (٣/ ٦١٤ رقم ٢٢٧٠)، وعبد بن حميد في "المنتخب" (٢/ ٥٨ رقم ٨٦٢)، وأبو يعلى (٢/ ٣٥٢ رقم ١١٠١)، والحاكم (٤/ ٥٠٥)، والبيهقيّ في "الشعب" (٨٢٨٩) من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه -.
والحديث في إسناده عليّ بن زيد بن جُدْعَان، ضعيف كما في "التقريب" (٦٩٦ رقم ٤٧٦٨)، وقد ضعَّفه الألباني في "ضعيف التِّرمذيّ" (٣٨٥).
(٢) هذا الكلام باطل ومنكر، والصّواب الذي لا مَحِيدَ عنه هو: أن الغضب صفة فعلية خبرية ثابتة في حقّ الله -عزَّ وجلَّ-، وهي قطعًا ليست كصفات المخلوقين؛ إذ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: ١١] وتفسير المؤلف إنما هو تفسير الشيء بلازمه؛ ومن عقائد أهل السنة والجماعة الثابتة والمتفق عليها: إثبات ما أثبته الله لنفسه من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. وتأويل الغضب بإرادة الانتقام هو في الحقيقة تعطيل لصفة أثبتها الباري -عزَّ وجلَّ- لنفسه. وكلٌّ يؤخذ من قوله ويردُّ إلَّا المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى.

<<  <   >  >>