للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَلَا تَخَفْ} [طه: ٢١] لفَّ كُمَّهُ على يد يتناولها، فقيل له: لو أذنَ اللهُ -عزَّ وجلَّ - فيما تَحْذَر هل كان ينفَعُكَ ذلك؟ قال: "لا، ولكنِّي ضَعِيفٌ، ومن ضَعْفٍ خُلِقتُ" (١).

ثُمَّ مَن غَلَبَ طبعهُ الحيواني فهذا دفعه ضعيف دونَ من غلبت عليه الرِّياضة؛ فإنَّهُ سهلٌ عليه، وإلَّا كان قوله -عليه الصَّلاة والسلام-: "لا تَغْضَب" تَكَلُّفًا، أو أمرًا بما لا يُطاق، وإذا عَلِمَ العبدُ أن لا فاعل إلَّا الله، وأنَّ الخلق آلةٌ، سَهُلَ عليه ذلك، وإلَّا لكان غاضبًا على الربِّ وهو ينافي العبودية، أو [على] (٢) المخلوق وهو إشراكٌ يُنافي التوحيد، فلا مُعْطي ولا مانع إلَّا الله، والعبد آلة: إمَّا بِقَصْدٍ كالإنسان، أو دونه كالدَّابةِ، أو لا قصدَ [له] (٣) كالعصا المَضْروبِ بها (٤).

وضَرْبُ موسى الحَجَر لَمَّا فرَّ بثوبهِ (٥)؛ إمَّا عن غلبةِ الطِّباع كما مرَّ معنا في لفِّ كُمِّه على يَدِهِ، أو تأديبًا لَهُ.


(١) لم أقف عليه مسندًا، وهو من الإسرائيليات، وذكره بعض أهل التفسير عن وهب بن منبه وغيره. انظر: تفسير ابن أبي حاتم (٩/ ٢٩٧٥ رقم ١٦٨٩٢)، والسمعاني (٣/ ٣٢٦)، والبغوي (٥/ ٢٧٠)، وابن كثير (٥/ ٢٧٩ - ٢٨٠).
(٢) من "التعيين" (١٤٢).
(٣) من المصدر السابق.
(٤) هذا الكلام في حقيقته مختصر من كلام الطوفي في "التعيين" (١٤٢ - ١٤٣)، وقد قرر الطوفي فيه عقيدة الجبرية حيث جعل الإنسان آلة كالسيف للضارب والقوس للرامي، وابن الملقن حذف بعض ما لا يريده منه، فجاء كلامه ركيكًا غير مفهوم.
وقوله: " ... وهو إشراكٌ يُنافي التوحيد" إن كان يظن أن الأسباب بيد العباد والتفت إليها واعتمد عليها واطمأن إليها فهذا شِركٌ، ولذلك قيل: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد"، وأمَّا إن التفتَ للأسباب التِفَات امتِثَالٍ وقيام بها وأداء لحق العبودية فيها وإنزالها منازلها: فهذا الالتفات عبودية وتوحيد، إذا لم يشغله عن الالتفات إلى المُسَبِّب، وأمَّا محوها أن تكون أسبابًا فقدحٌ في الشرع والعقل والحس والفطرة. انظر: "مدارج السالكين" للإمام ابن القيِّم (٣/ ٤٩٩).
(٥) قصة ضرب موسى للحَجَر لَمَّا فرَّ بثوبه رواها: البُخاريّ (١ / رقم ٢٧٤)، ومسلم (١/ ٢٦٧ - ٣٣٩) من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه -.

<<  <   >  >>