للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

و"على" يجوزُ أنْ تَكون بمعنى "إلى" أي: كَتَبَ الإِحسانَ إلى كُلِّ شيءٍ -أو: في- أي: في كُلِّ شيء، قال تعالى: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُو الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ} [البقرة: ١٠٢] أي: في مُلْكِهِ، ويقال: كان على عهد فلان، أي: في عَهده، حكاه العتبي.

ويحتمل أن تكون بمعنى "إلى" أي: كتب الإحسان في الولاية على كلِّ شيء، حتَّى مِمَّا ذَكَرَهُ، ولا يتركُ آلتَهُ كَالَّةً يُعَذِّبُ بها الحيوان، وإنَّما ذكَرَ القتلة والذّبحة؛ لأنهما غاية الأذى في الحيوان، ولا يبقى بعدهما للإحسان وجه، فإذا كان الإحسان فيما هو العلة في الأذى، فكيف بغير ذلك؟!

و"الإحسان" هنا بمعنى الإحكام والإكمال، والتَّحْسِين في الأعمال المشروعة مطلوب، فحق على من شرع في شيء منها أن بأتي به على غاية كماله ويحافظ على آدابه المصححة والمكملة له، وإذا فعل قبل عمله وأثر ثوابه.

ولَمَّا كان العلماء ورثةُ النبياء، فمِمَّا ورِثوهُ: تعليم النَّاس كيفية الإحسان إلى كلِّ شْيءٍ ألهَمَ اللهُ -سبحانه وتعالى- الاستغفار للعلماء مكافأةً لهم على ذلك (١)، ومن ذلك قوله -عليه الصَّلاة والسلام-: "إنَّ العالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ له مَنْ في السَّمَاوات ومَنْ في الأرض، حتَّى الحِيتانُ في المَاءِ" (٢).

وقد جاء في التَّنزيل: {وَالْمَلَائِكَةُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِمَنْ فِي الْأَرْضِ} [الشورى: ٥].


(١) هذه عبارة الخطابي في "معالم السنن" (٤/ ٣٩).
(٢) رواه أحمد (٣٦/ ٤٥ رقم ٢١٧١٥)، وأبو داود (٤/ ٣٩ رقم ٣٦٤١)، والترمذي (٤/ ٤١٤ رقم ٢٦٨٢)، وابن ماجه (١/ ٨١ رقم ٢٢٣) عن أبي الدرداء - رضي الله عنه -.
وهو حديثٌ صحيحٌ، صححه الألباني في "التِّرمذيِّ" (٢١٥٩)، و"سنن أبي داود" (٣٠٩٦)، و"صحيح الترغيب والترهيب" (١/ ١٣٨ رقم ٧٠).

<<  <   >  >>