للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أي: "استَقِمْ كَمَا أُمِرتَ" مُمْتَثِلًا أَمْرَهُ، ومُجْتَنِبًا نَهْيَهُ، وهو مُطَابق لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} [فصلت: ٣٠] أي: لم يَحِيدُوا عن توحيدهِ، والتَزَموا طاعتهُ إلى أنْ تُوُفُّوا عليه، كما قال عُمَر: "اسْتَقَاموا لله على طاعَتهِ، ولَمْ يَرُوغوا رَوَغَانَ الثعلب" (١).

فقوله: "آمنْتُ بالله" هو بمعنى: {قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ} [فصلت: ٣٠] إذْ لا يعتقد ربوبيته إلَّا مَن آمَنَ به، وهو على اختصاره مِن أجمَعِ الأحاديث لأصول الإسلام، إذِ الإسلامُ توحيدٌ وطاعةٌ، فالتوحيد حاصِل بـ "آمنتُ بالله" (٢).

والطاعة حاصِلةٌ بالاستقامة، إذ هي: امْتِثالُ كلّ مأمُور، واجتناب كُلِّ محظور، ويدخلُ فيه أعمال القلوب والأبدان مِن الإيمان والإسلام والإحسان (٣).

وفي التنزيل: {فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ} [فصلت: ٦]. وفي الحديث: "شَيَّبَتْنِي هودٌ وأَخَوَاتها" (٤). وشَيَّبَهُ أَنَّ فيها: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ} [هود: ١١٢] وهي: كلِمَةٌ جامِعَةٌ لجميع أنواع التكاليف.

قال ابن عباس: "مَا نَزَلَ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في جميع القرآن آيةٌ كانت أشَدَّ


(١) رواه ابن المبارك في "الزُّهد" (١/ ١١٠ رقم ٣٢٥)، وأحمد في "الزهد" (١١٥)، والطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٧٣).
(٢) وجاء في تفسيرها عن الصِّديق الأكبر أبي بكر - رضي الله عنه - أنه قال: "لم يُشْرِكوا باللهِ شيئًا". رواه ابن المبارك في "الزهد" (١/ ١١٠ رقم ٣٢٦)، وأبو داود في "الزهد" (٥٩ رقم ٣٩)، وابن سعد في "الطبقات" (٦/ ٨٤)، والطبري في "تفسيره" (٢٤/ ٧٣).
(٣) قال الحافظ ابن رجب في "جامع العلوم" (١/ ٥١٠): "الاستقامة: هي سلوك الطِّراط المستقيم، من غير تعريج عنهُ يَمْنةً ولا يَسْرَةً، ويَشْمَلُ ذلك فعل الطاعات كلها، الظاهرة والباطنة، وتَرْكِ المَنْهِيَّات كلها. فصارَت هذه الوَصِيَّة جامِعةً لِخِصال الدِّين كُلِّها".
(٤) رواه الترمذي في "الشمائل" (٥٤ رقم ٤٢)، وأبو يعلى (٢/ ١٨٤ رقم ٨٨٠)، والطبراني في "الكبير" (١٧/ ٢٨٦ رقم ٧٩٠)، وأبو نعيم في "الحلية" (٤/ ٣٥٠) عن أبي جُحيفة - رضي الله عنه -.
والحديث صححه الألباني بشواهده. انظر: "الصحيحة" (٢/ ٧٦ رقم ٩٥٥).

<<  <   >  >>